كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)
وكذلك قوله تعالى: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَة} [الأعراف: 29 - 30].
وكذلك قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُم} [البقرة: 28] فإن الموت في الحقيقة لا يكون إلاَّ بعد حياة، ولا يجوز حمل كتاب الله على المجاز في جميع هذه الآيات المتقدمة إلاَّ لضرورة تمنع من الظاهر، ولا ضرورة في حق من هو على كل شيء قدير، وهو بكل شيء بصير.
فإن قلت: قوله تعالى: {أمتنا اثنتين} [غافر: 11] ينافي ذلك، لأنه يؤدي إلى الإماتة ثلاث مرات.
قلنا: بل هو أحد الأدلة على ذلك، فإن موتهم بعد ذلك الخلق الأول في عالم الذر هو الموتة الأولى، وموتهم بعد هذا الخلق الثاني هو الموتة الثانية.
هذا هو الأظهر ويؤكده أن المرتبتين (¬1) مما يختص بالإقرار به أهل الحق، بدليل قوله تعالى: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِين} [الصافات: 58 - 59]، وقوله تعالى: {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيل} [غافر: 11].
فأما تسمية النطفة ميتةً مجازاً، فلم يخالف فيه كافرٌ ولا مبتدع، ولا ورد الشرع بوجوب اعتقاده، ولا يسمى معتقده مؤمناً.
وأما قوله تعالى: {لا يذوقون فيها الموت إلاَّ الموتة الأولى} [الدخان: 56] فمفهومٌ لا ينتهض لمعارضة المنطوقات متى سُلِّم أنه مفهومٌ صحيحٌ، وليس بمسلَّمٍ، لأنه استثناء من الموت المذوق، وهو المؤلم، وأحد الموتتين يمكن أنها كانت غير مؤلمةٍ، كالنوم الذي سماه الله تعالى وفاةً في قوله: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر: 42]. ويدل على ذلك أنه لا يشترط في تسمية الموت أن يكون مذوقاً حقيقة أو مجازاً في اللغة، فجاز
¬__________
(¬1) في (ش): " أهل المرتبتين ".
الصفحة 270
330