كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)

انقسامه إلى مَذُوقٍ وغير مذوق، والاستثناء (¬1) من أحد القسمين -وهو المذوق- دون الآخر، مع أن أهل الجنة لا يذوقونه في الجنة، فوجب أن يكون الاستثناء منقطعاً.
وإنما سماها الموتة الأولى بالنظر إلى تقدمها لوقت الكلام، لا بالنظر إلى أول موتة على الإطلاق، كما يقول: الساعة الأولى، ولا يعني بها أول ساعة، بل ساعة قبلها، وكذلك الصلاة الأولى، يؤيده أنه لا يصح في العربية أن يقال: الأولى من كذا، فكانت بمنزلة: زيدٌ الأفضل، فإنه لا يتعين المفضل عليه إلا فيما ذكرت فيه " من ".
ولو سلمنا أنه ظاهرٌ في أول موتة، فجائزٌ أن تكون الموتة الأولى في الجنة يوم خلق عالم الذر، لأن آدم في ذلك العصر كان في الجنة قبل أن يذنب ويخرج منها، ويكون الاستثناء على هذا متصلاً، ولا يَرِدُ عليه أن الجنة التي كان فيها آدم غير جنة الخلد، لأنه لا دليل على ذلك، ويدل عليه ظاهر قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَم} [الأعراف: 11].
فهذا يقتضي أن خروجهم على صور الذَّرِّ كان في الجنة، لأن خروج آدم كان بعد لأمر بالسجود، وقد جعله الله بعد تصوير الجميع، والظاهر أن حياتهم لم تطل، فهذا محتملٌ أيضاً، ومنتهى ما فيه أن نقف في معنى هذا لاشتباهه، ونقول بمعنى تلك الآيات لظهوره.
فأمَّا قولهم: إن الموتة الأولى (¬2) هي التي بعد الخلق، وهي المعلومةُ للجميع، والموتة الثانية التي تكون في القبر بعد الحياة فيه، فليس بقوي، لأن تلك الموتة التي في القبر مثل النوم، لأنها متكررة كل يوم، لقوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر: 46] ولما ورد في الحديث من عرض مقاعدهم عليهم في الجنة أو النار كل يوم (¬3)، ولما ورد في عذاب
¬__________
(¬1) في (ش): والمستثنى.
(¬2) " الأولى " ساقطة من (أ).
(¬3) روى مالك في " الموطأ " 1/ 239، ومن طريقه أحمد 2/ 113، والبخاري =

الصفحة 271