كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)

ففيه إشارةٌ إلى تجويز أن يكون موسى عليه السلام ممن مات أكثر من مرتين، إذاً لم يُحاسب بالصعقة (¬1)، وكانت تسمى موتة.
فإن قلت: كيف يجوز على العقلاء نسيان تلك الحياة الأولة؟
فالجواب: أنه لا مانع من ذلك، فإن الذكر والنسيان من أفعال الله تعالى بالإجماع، وإنما اشترط بعض أهل الكلام أن لا ينسى العاقل الأمور العظيمة القريبة العهد، لأن ذلك من علوم العقل التي ينبني عليها التكليف، فهو عند بعضهم يُخِلُّ بالحكمة، لا لأن الله تعالى غير قادر على أن يُنْسِيَها العبد، والنسيان لما كان في الخلق الأول لا يخل بشيء في الحكمة ولا في القدرة، وبخاصةٍ ومدة تلك الحياة قصيرةٌ إنما كانت قدر ما يتسع للسؤال والجواب على ما يفهم من سياق الأحاديث أو بعضها، فصارت كالرؤيا التي جرت العادة بنسيان كثير منها، وذكرها بعد نسيانها من شاء الله، وإنما الباطل ما ذكره كثير من الفلاسفة أن النفس كانت قديمة أزلية مجردة، ثم تعلقت بالبدن، وهي لا تذكر ذلك بعد طوله، والله سبحانه أعلم.
فإن قيل: إن الله سبحانه وتعالى قال: {وإذ أخذ ربُّك من بني آدم}
¬__________
= قال الإمام ابن القيم في " الروح " ص 54، ونقله عنه ابن أبي العز الحنفي في " شرح العقيدة الطحاوية " 2/ 603 بتحقيقنا: لا ريب أن هذا اللفظ قد ورد هكذا، ومنه نشأ الإشكال، ولكنه دخل على الراوي حديث في حديث، فركب بين اللفظين، فجاء هذا، والحديثان هكذا:
أحدهما: " إن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق ".
والثاني: هكذا: " أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ... ".
فدخل على الراوي هذا الحديث في الحديث الآخر.
قلت: الحديث الأول رواه البخاري (2411) و (3408) و (6517) و (7428)، ومسلم (2373) (160)، وأبو داود (4671)، والبغوي (4302) من حديث أبي هريرة.
والحديث الثاني تقدم تخريجه 1/ 176 - 177.
(¬1) من قوله: " ففيه إشارة " إلى هنا سقط من (ش).

الصفحة 273