كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)

وقد ذكر الذهبي ما يدلُّ على هذا في " النبلاء " (¬1)، أظنه في ترجمة سعد بن معاذ، فإنه ذكر أن ضمة القبر من جملة الآلام التي تصيب المؤمن وغيره، كآلام الدنيا. وهذا ممشى على أصول المعتزلة، فإن منهم من يجيز الألم متى كان للألم عِوَضٌ، ولا مانع من هذا بعد الموت، ومنهم: من يَشْرُطُ مع العوض للاعتبار، ولا مانع منه أيضاً، فإنه يجوز أن يعتبر به المكلَّفون لعلمهم به، وتصديقهم له.
وقال ابن عبد السلام في " قواعده " (¬2) في قاعدة عقدها في المستثنى من القواعد الشرعية: الثاني والعشرون: الصلاة واجبة على الأموات، لافتقارهم إلى رفع الدرجات، وتكفير السيئات، إلاَّ أن الأطفال لا يدعى لهم بتكفير (¬3) السيئات.
وقد روى مالكٌ، عن سعيد بن المسبب أنه سمع أنساً (¬4) يدعو لصبيٍّ في الصلاة عليه أن يُعيذه الله من عذاب القبر. وهذا ليس ببعيدٍ، إذ يجوز أن يُبتلى في القبر كما يبتلى في الدنيا، وإن لم يكن له ذنبٌ، فيجوز أن يكون هذا رأياً من أنس، و [يجوز] أن يكون أخذه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. انتهى.
وهو مثل كلام الذهبي في تشبيه ذلك بآلام الدنيا، وعدم خُلُوه من الحكمة إن ثبت ذلك على الصحيح، والله أعلم.
الوجه الرابع: أن يكون الميت يستحق العذاب، ويكون البكاء عليه سبباً لوقوع العذاب في ذلك الوقت، فقد جاء في " الصحيح ": " من نُوقِشَ الحساب، عُذِّبَ " (¬5) وله شواهد في الصحاح، ومن لم يُبْكَ عليه أُخِّر عذابه
¬__________
(¬1) 1/ 290 في ترجمة سعد بن معاذ.
(¬2) 2/ 142 - 143، وما بين حاصرتين منه.
(¬3) في (أ) و (ش): تكفير، والمثبت من " القواعد ".
(¬4) " الموطأ " 1/ 228، لكن فيه: عن أبي هريرة، وليس عن أنس، والخطأ من ابن عبد السلام، وتابعه عليه المؤلف.
(¬5) تقدم تخريجه 5/ 274، وهو حديث صحيح.

الصفحة 279