كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)

المكاشفة من كتاب العلم: إن من علم علوم المكاشفة: علم حكمة الله تعالى في خلق الدنيا والآخرة. انتهى بلفظه.
وصرح غير واحد من أهل السنة بذم أهل هذا القول من غلاة المتكلمين، على أن غلاة المتكلمين من الأشعرية الذين صرحوا به، وبالغوا في نصرته قد استشنعُوا ذلك، وحاولوا الاعتذار عنه، فقال الرازي: إنهم لا يخالفون في إدراك العقول قبح صفات النقص، كالجهل والكذب، وحسن صفات الكمال، كالعلم والصدق، وأن الله متصف بصفات الكمال، ومنزه عن صفات النقص، وإنما خالفوا بأنا (¬1) لا نعرف بمجرد العقل استحقاق فاعلها ما ورد به الشرع من الجزاء في الدنيا والآخرة.
وهذا حسنٌ جداً، لكنه يناقضه كما سيأتي، بل يلزمه ثبوت الحكمة في الأفعال كالأقوال سواء.
وكذلك ذكر الرازي أن فائدة العمل والتكليف مع سبق الأقدار، وهي تعجيل البشرى للمؤمن والإنذار للكافر، ويدل على قوله هذا قوله تعالى: {وما نرسل المرسلين إلاَّ مبشرين ومنذرين} [الكهف: 56]. وكلامه هذا يدلُّ على ثبوت الحكمة، وكذلك صرح بثبوتها في كلامه المقدم في الجبر والقدر الذي ذكره في " مفاتح الغيب "، فإنه ذكر فيه أن هذه المسألة وقعت في حيز التعارض بحسب تعظيم الله تعالى، نظراً إلى قدرته، وبحسب تعظيمه سبحانه نظراً إلى حكمته. إلى آخر كلامه في ذلك.
واعلم أنه لا فرق بين معرفة العقول أن الكذب صفة نقص يجب تنزيه الله عنها، وبين معرفتها أن تعذيب الأنبياء والأولياء في يوم الجزاء بذنوب أعداء الله صفة نقص يجب تنزيه الله عنها، وأن مَدْرَكَ قبح الأفعال والأقوال في العقول واحد، ومن حاول الفرق بينهما، فقد غالط وأبطل، وإنما ألجأهم إلى الفرق
¬__________
(¬1) في (ش): " في أنا ".

الصفحة 284