كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)

ويدل على ذلك حديث الرجل الذي عبد الله خمس مئة سنة في جزيرة من البحر، وأراد أن يدخل الجنة بعمله، فحوسب، فما وفَّى عمله بنعمة البصر. خرَّجه الحاكم في " المستدرك " وصححه، وهو حديث مشهور (¬1).
ويشهد لمعناه ظاهر قوله تعالى في خليله إبراهيم: {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِين} [العنكبوت: 27].
وفي " الكشاف " (¬2) في قوله تعالى: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 43]، وهذا يدلُّ على أن الجنة مستحقة بالعمل، لا بالتفضل كما يقوله المبطلة.
فكتب بعض أهل العلم (¬3) في حاشيته ما لفظه: نعم يا شيخ المُحِقَّة.
قلت: الجنة بالعمل، فالعمل بماذا؟ قلت: بالاختيار فالاختيار بماذا؟ رأى الأمر يُفضي إلى غايةٍ، فصيّر آخره أوَّلاً، {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّه} [الأعراف: 43]. انتهى.
وألحقه بعضهم: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} [النور: 21]، {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَان} [الحجرات: 17].
وقد دل القرآن على أن العمل نعمة، والجزاء عليه نعمة.
أما الأول، ففي قوله تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَة} [الحجرات: 7 - 8]، وقوله: {نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَر} [القمر: 35].
وقد ختم الزمخشري " كشافه " (¬4) بتضرع إلى الله طويل، قال في آخره:
¬__________
(¬1) تقدم تخريجه 5/ 257، وهو حديث ضعيف.
(¬2) 2/ 80.
(¬3) في (ش): " أهل السنة ".
(¬4) 4/ 304.

الصفحة 297