كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)
وقوله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29].
ومنه ما يمكن تأويله بأن اللام فيه للعاقبة، ومنه ما لا يمكن ذلك فيه، كما لا يخفى على المتأمل النبيه.
والعجب من الشهرستاني أنه اختار أفعال الله تعالى غير معلَّلةٍ بداعٍ ولا حكمة، ثم لم يُورد على قوله من السمع إشكالاً قط إلاَّ قوله تعالى: {وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الجاثية: 22]، وأجاب بأن اللام فيها للعاقبة، كقوله تعالى في شأن موسى عليه السلام: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: 8]، وكقوله تعالى: {جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} [يونس: 67].
وتمسُّكُه بهذه الآية الثانية ممنوعٌ، فإنه ادعى ظهور أن اللام فيها للصَّيرورة والعاقبة بغير حجةٍ.
وأما الآية الأولى، فقد أكثر المتكلمون المتأولون من الاستشهاد بها، ولا دليل لهم قاطعٌ على أن اللام فيها للعاقبة، لأنه يمكن أن اللام فيها على أصلها من التعليل، وذلك أن التقاطهم لموسى عليه السلام إنما كان من كرامات الله تعالى له، لأنهم كانوا مجتهدين في قتل الولدان لما (¬1) قضى به أهل علم النجوم من ظهور مولودٍ في ذلك العصر تكون له الدولة عليهم، فكان الرأي والنظر يقضي أن يكون الطفل الذي قذفه البحر في صندوقٍ هو الذي له الشأن العظيم، فيكون هو الذي يقتلونه دون غيره، أو هو أولى بذلك من غيره، فحين أعماهم الله تعالى من ذلك، لإنفاذ قَدَرِهِ ورغَّبَهم في التقاطه إكراماً لموسى، ورحمةً وحفظاً ولطفاً وإظهاراً لعظيم قدرته في أن يخدُمَه أعدى عَدُوٍّ له، مع الحرص الشديد على قتله وقتل جميع الولدان من أجله، كان هذا الالتقاط من
¬__________
= " حجة القراءات " ص 603.
(¬1) في (ش): " بما ".
الصفحة 302
330