كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)
أفعال الله تعالى التي ينفرد بها، وليس لهم فيها كسبٌ ولا اختيارٌ، لما فيه من منافاة أغراضهم، فكان بمنزلة رد موسى إلى أمه، لأن الله تعالى نسبه إلى فعله، حيث قال: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ} [القصص: 13] مع أن ذلك الرد كان على يدي أخته.
وكذلك رميُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدرٍ في وجوه المشركين لما وقع له ذلك الموقع العظيم، قال الله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} (¬1) [الأنفال: 17].
ونحو ذلك من أفعال العباد كثيرٌ يجري على أيديهم، وهو منسوبٌ إلى الله تعالى في المعنى، وهذا الالتقاط من ذلك القبيل، هو فعل الله تعالى على يد آل فرعون.
والله تعالى بيَّن أن ذلك الالتقاط من ذلك القبيل (¬2) الذي قدره ويسر وأذن فيه ليكون لهم عدواً وحزناً.
فهذا تعليل فعل الله في الالتقاط الذي فعله آل فرعون ومراده، لا تعليل فعلهم ومرادهم، فقد بين سبحانه عنهم أنهم أرادوا أن يكون موسى لهم قرة عينٍ، وأن ينفعهم أو يتخذه ولداً.
فاعجب كيف غفلوا عن هذا الاحتمال، ومنتهى ما فيه تسليم أن اللام في هذه الآية للعاقبة، ولكن ذلك مجازٌ لا يجوز العدول إليه في سائر الآيات إلا لموجبٍ.
على أن ذلك يتعذر في كثيرٍ من الآيات، كقوله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، فإنا لو قلنا: إن اللام هنا للعاقبة، لم تكن الآية دالة على الترتيب في تدبر كتاب الله تعالى، وهذا
¬__________
(¬1) انظر ص 106 من هذا الجزء.
(¬2) من قوله: " هو فعل الله تعالى " إلى هنا سقط من (ش).
الصفحة 303
330