كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)
المسلمين -كالمعتزلة- يمنعونها، ثم إن الرازي يقول بقدم الإرادة، وقد ألزمته المعتزلة والفلاسفة قِدَمَ العالم بذلك، فانفصل عنه بأن الإرادة تتعلق بالمراد في وقتٍ مخصوصٍ، لا مطلقاً، فلم يلزم وجوده إلاَّ في ذلك الوقت المخصوص، وكذلك الجواب في الداعي.
وقد تبلَّد الرازي مع شدة ذكائه في جواب كلام الفلاسفة في هذه في أوائل " نهاية العقول "، واضطر إلى التزام مذهب المعتزلة في أن الفاعل يُرجِّح أحد مقدوريه (¬1) من غير مُرَجِّحٍ، وادعى الضرورة في الفرق بين الداعي والعلة، ثم نقض ذلك كله في مسألة أفعال العباد، وفعل في ترجيح مذهب الفلاسفة ما لا يخفى على متأمل، ولولا خوف الإملال، لنقلت ألفاظه في ذلك.
واعلم أن هذه المسألة من محارات العقول التي تحيَّر فيها جميع الفحول، ولا مرجِعَ فيها إلاَّ إلى التسليم والمنقول، ويأتي كلام ابن تيمية فيها في القول الثالث، وبها يُعرف أنها محارةٌ لا محالة، وأنه ليس فيها مع جميع النُّظَّار من العلم إلاَّ أَثاره، كيف إلاَّ دلالة (¬2).
الثانية: قال الرازي: يلزم في الغرض أن يكون فيه جلب نفعٍ أو دفعُ ضُرٍّ لله تعالى أو للغير، فإذا كان للغير، فإن كان في حصوله وعدمه على السواء بالنسبة إليه، لزم أن لا يكون غرضاً له في حصوله، وإن لم يكونا بالسواء بالنسبة إليه، لزم أن (¬3) يكون مُحتاجا إلى ما له غرضٌ في حصوله.
فالجواب: أن انحصار الحكم في جلب النفع ودفع الضرر ممنوعٌ، والاستناد فيه إلى مجرد قياس الخالق على المخلوقين، وهو باطل وتسمية داعي الحكمة الذي هو عبارةٌ عن مجرد العلم برجحان الممكن غرضاً للغني عن كل شيءٍ قياسٍ في اللغة، وفي أسماء الله تعالى وصفاته والقياس فيهما معاً ممنوعٌ.
¬__________
(¬1) في (ش): مقدوراته.
(¬2) في (ش): " كيف الأدلة ".
(¬3) من قوله: " أن لا يكون " إلى هنا، سقط من (ش).
الصفحة 319
330