كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)

ولو سلمنا جميع ذلك، لم نسلِّم تسمية الرب القادر على كل شيء بغير مشقة محتاجاً إلى إيجاد مراده بغير مشقةٍ تلحقه في الإيجاد، فإنه لا معنى للغني في صحيح اللغة، وفِطَرِ العقلاء وعُرفِ أهل الشرائع، إلاَّ القدرة التامَّة على كل مرادٍ من غير مشقة، ولا استعانةٍ بأحد، ولو كان الغني هو الذي أراد الرازي من عدم الداعي، لزم أن يكون الجماد، بل المعدوم، أغنى من الله -تعالى عن ذلك عُلُوَّاً كبيراًً- لأن استحالة الداعي في الجماد والمعدوم على زعمهم.
وبعد، فالمخالف في هذا من المسلمين لا يخلو: إما أن يثبت إرادة الله تعالى، أو لا.
إن لم يثبتها، عطَّل السمع، وخالف إجماع من يعتدُّ به.
وإن أثبتها، فإما أن يثبتها مثل إرادة المخلوقين، لزمه إن الله محتاجٌ، فإن المخلوق لا يريد إلاَّ ما له فيه منفعةٌ أو دفع مضرةٍ.
وإن قال: إن إرادة الله تعالى غير مُشَبَّهَةٍ بإرادة المخلوقين، كذاته وجميع صفاته، فكذلك يقول في الداعي: إن له سبحانه داعي حكمةٍ في أفعاله، وإنه ليس لجلب نفعٍ له، ولا دفع ضررٍ عنه، ولا يلزمه تشبيهه بدواعي المخلوقين، وما الذي خصَّ الداعي بأنه يكون مشبهاً دون الذات وسائر الصفات، وقد قام الدليل على نفي التشبيه من كل شيءٍ يتعلق بالرب جل جلاله.
الثالثة: قال الرازي: لو فعل الله لغرضٍ، لكان إمَّا أن يُمْكِنَه تحصيل ذلك الغرض بدون ذلك الفعل كان التَّوسُّل بتلك الوسيلة عبثاً، وإن لم يمكن، كان ذلك الغرض مشروطاً بتلك الوسيلة، وذلك باطلٌ، لأن أكثر المقاصد إنما تحصُلُ بعد انقضاء تلك الوسائل، وحصوله بعد عدمه يمنع كونه شرطاً فيه.
والجواب: أنه قادرٌ بغير وسيلةٍ.
قوله: تكون الوسيلة عبثاً، غير مسلَّمٍ للقطع بجواز أن يكون الشيء على سببٍ أوَّليٍّ في الحكمة، والله تعالى يعلم من وجوه الحكمة ما لا نعلمه، لا سيما

الصفحة 320