كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)

في المتشابه. وقد مرت الإشارة إلى ذلك.
فإما أن يسلِّم ذلك حصل عرضاً، وإن ادعى أنه لا يجوز أن يعلم الله من الحِكَم ما لا نعلمه، احتاج إلى برهانٍ قاطعٍ على ذلك، ولا برهان إلاَّ مجرد الوهم لقياس الخالق على المخلوق، وهو باطل.
وأين الرازي من قوله:
العلم للرحمن جل جلاله ... وسواه في جَهَلاتِه يَتَغَمْغَمُ
ما للتراب وللعلوم وإنما ... يسعى ليعلم أنه لا يعلمُ (¬1)
والعجب من الرازي -مع ذكائه- كيف يمنع الوسائل لكونها عبثاً في الاستدلال على أن جميع أفعاله سبحانه عبثٌ عنده، ومن قبل جعل العبث حقيقة الغنى، والحكمة حقيقة الحاجة.
فيا هذا، إذا كانت أفعال الله تعالى عندك كلها عبثٌ، لا حكمة فيها، ولا يتمُّ غناه إلاَّ بذلك، فكيف يكون ما أدى إلى مذهبك الحق باطلاً، لاستلزامه الغنى الذي هو حقٌّ، ومستلزم الحق حقٌّ.
وهلا قلت: لزم أن يكون غنيّاً بالمعجمة والنون، لا عبثاً بالمهملة والمُوَحَّدَةِ ثم المثلثة، وقد سميت الداعي حاجةً، والمتصف به محتاجاً، فغيرت اسم الحكمة وسميتها حاجةً، واسم الحكيم وسميته محتاجاً، تشنيعاً على خصمك، كما غيرت اسم العبث وسميته غنى، واسم العابث وسميته غنيّاً، حين احتجت إلى ذلك، فبان غلاطك وقلبك لأسماء الصفات، ووقوفك مع مجرد العبارات، وهذا كلامٌ نازلٌ، وتطاولٌ ليس تحته طائلٌ.
فإن قلت: إنما عنيت أنه يلزم المخالف على أصله أنه عبث.
قلنا: هو مشترك الإلزام بينك وبينه، فكما أنك تَسَتَّرت بتسميتِهِ عبثاً،
¬__________
(¬1) تقدم هذان البيتان: 2/ 101.

الصفحة 321