كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)

ثم سؤال الملائكة دليلٌ على اعتقادهم لذلك.
وهذه مسألةٌ كبيرةٌ، لا يصلح ذكرها في جنب غيرها، فهذه شُبَهُ غُلاة الأشعرية التي ذكرها الرازي في " نهايته ".
فأما قوله تعالى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23] فإنها في الاحتجاج على بطلان المعبودين من دون الله، كما دل عليه سياق الآيات قبلها وبعدها في سورة الأنبياء، فإن قبلها: {أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ} الآيات [الأنبياء: 21]. فهي في الاحتجاج على بطلان ربوبية من يُسأل عن أعماله سؤال الحساب، فهو مربوبٌ محاسبٌ، إما مُعَذَّبٌ أو مرحومٌ، مثل احتجاجه بأنهم لا يخلقون شيئاً وهم يُخلقون، وهو كقوله: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} [الصافات: 158]، وليس هذا يناقض أن يكون لله تعالى حكمة يمتنُّ بتعريفها على من يشاء من عباده، كما منَّ بذلك على الخَضِر في المتشابه، وعلى الجميع في المُحكم.
ولا يناقض ذلك أن يسأل من فضله تعليمنا ما ينفعنا من ذلك، كما أن رسوله - صلى الله عليه وسلم - قال: " وقل رب زدني علماً " (¬1) والله سبحانه أعلم.
وإنما الآية في معنى نفي (¬2) أن يكون تعالى مربوباً مديناً مسؤولاً عن
¬__________
(¬1) روى الترمذي (3599)، وابن ماجه (251) و (3833) من حديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: " اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وزدني علماً، والحمد لله على كل حال ". وفي سنده موسى بن عبيدة، وهو ضعيف.
وروى أبو داود (5061)، والنسائي (865)، وابن السني (761) كلاهما في " عمل اليوم والليلة " من حديث عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا استيقظ من الليل، قال: " لا إله إلاَّ الله، سبحانك، اللهم إني أستغفرك لذنبي، وأسألك رحمتك، اللهم زدني علماً، ولا تزغ قلبي بعد أن هديتني، وهب لي من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب ". وصححه ابن حبان (5531)، والحاكم 1/ 450، ووافقه الذهبي.
(¬2) سقطت من (ش).

الصفحة 324