كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)
ما كان شيئاً حقيقياً، فهو الذي يختص بقدرة الله تعالى وحدها على قولٍ، أو بالإعانة منه تعالى على القول الآخر.
وأما قوله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [القصص: 68] فذكر الواحدي في " أسباب النزول " (¬1) أنها نزلت جواباً للوليد بن المغيرة حين قال فيما أخبر الله عنه: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف: 31] أخبر تعالى أنه لا يبعث الرسل على اختيارهم، رواه الواحدي في " أسباب النزول " ونسبه إلى أهل التفسير ولم يَسْتَثْنِ منهم أحداً، فصار هذا راجحاً، ولو لم يكن إلاَّ مُحتملاً مرجوحاً، لكان القاطع مقدماً عليه كيف الضروري. وكذا قال البغوي (¬2)، وقال: هو كقوله: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ تَكونَ (¬3) لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [الأحزاب: 36]. انتهى.
وقد ظهر أن هذا من الاختيار الذي هو الاصطفاء والاجتباء والانتقاء، لا من (¬4) الاختيار الذي هو نقيض الاضطرار وليس فيه تأويل، بل هو من المشترك،
¬__________
(¬1) ص 229، والواحدي: هو العلامة الأستاذ أبو الحسن، علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي النيسابوري الشافعي، إمام علماء التأويل، توفي سنة (468 هـ). مترجم في " سير أعلام النبلاء " 18/ 339 - 342.
(¬2) هو في تفسيره المسمى " معالم التنزيل " 3/ 452 - 453، والبغوي: هو الشيخ الإمام العلامة القدوة الحافظ، شيخ الإسلام محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي المفسِّر، صاحب كتاب " شرح السنة "، المطبوع بتحقيقي في خمسة عشر مجلداً، توفي سنة (516 هـ). مترجم في " سير أعلام النبلاء " 19/ 439 - 443.
(¬3) هكذا قرأ هذا الحرف غيرُ الكوفيين: بالتاء المثناة من فوق لتأنيث " الخيرة "، وأما الكوفيون فقد قرؤوها بالياء، لأن تأنيث " الخيرة " غير حقيقي وهي معنى الخيار، وحجتهم إجماع الجميع على قوله (ما كان لهم الخِيَرة) ولم يثبتوا علامة التأنيث في " كان ". انظر " حجة القراءات " ص 578، و" النشر في القراءات العشر " 2/ 348.
(¬4) في (ش): لأثر، وهو تحريف.