كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 7)

ومن (¬1) قصد من الطائفتين شيئاً من ذلك، فقد ضلَّ وابتدع، وخالف دليل العقل والسمع وإجماع السلف.
والذي أجمعت عليه فِرَق أهل السنة أن العبد غير مستقل بنفسه، وذلك لما يجده العاقل من الضرورة والفطرة العقلية من شدة الحاجة إلى إعانة ربه عز وجل ومالكه له في كل أمر مع علمه الضروري بالتمكين وطلب الاستعانة من ربه فيه، وعدم الهم والعزم فيما لم يُقدره الله عليه (¬2)، وعدم الطلب للاستعانة (¬3) عليه.
ومن هنا قال الله تعالى في فاتحة الكتاب التي يقرأ بها كل مصلٍّ في فرائضه سبع عشرة مرة في كل يومٍ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 5 - 6] فطلب الإعانة والهداية أوضح دليلٍ على عدم الاستقلال والكفاية، وعلى أن للعبد فعلاً يستعين بالله عليه، ويحتاج في تمامه إليه، ولا يمنع من ذلك ورود الأمر به في قوله تعالى: {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود: 123].
فقد قال تعالى: {واصْبِرْ وما صَبْرُكَ إلاَّ بالله} [النحل: 127] فأمر سبحانه بالصبر، ومنع استقلال أكمل عباده به.
وعلى ذلك نبَّه القرآن الكريم في قراءة " المخلَصين " بفتح اللام وكسرها في السبع المتواترة في غير آية من كتاب الله عزَّ وجلَّ وأمثال ذلك كما مضى في مرتبة الأقدار (¬4).
واعلم أن مراد أهل السنة بخَلْقِ الأفعال المبالغة في تنزيه الرب سبحانه من الشرك في الخلق لقوله تعالى: {هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ الله} [فاطر: 3] وليس غرضهم نفي حجة الله.
¬__________
(¬1) في (أ) و (ف): إن، والمثبت من (ش).
(¬2) في (ش): فيما لم يقدر عليه.
(¬3) في (ش): طلب الاستعانة.
(¬4) في (ش): الأفعال.

الصفحة 7