كتاب تفسير الألوسي = روح المعاني (اسم الجزء: 7)
عليهم السلام مائلة إلى الشهوات في أكثر الأوقات إلا أن يحمل ذلك على ما قبل النبوة بناء على جواز ما ذكر قبلها أو يراد جنس النفس لا كل واحدة.
وتعقيب بأن الأخير غير ظاهر لأن الاستثناء معيار العموم ولا يرد ما ذكر رأسا لأن المراد هضم النوع البشري اعترافا بالعجز لولا العصمة على أن وقت الرحمة قد يعم العمر كله لبعضهم اهـ، ولعل الأولى الاقتصار على ما في حيز العلاوة فتأمل، وأن يكون استثناء من النفس أو من الضمير المستتر في- أمارة- الراجع إليها أي كل نفس أمارة بالسوء إلا التي رحمها الله تعالى وعصمها عن ذلك كنفسي أو من مفعول- أمارة- المحذوف أي أمارة صاحبها إلا ما رحمه الله تعالى، وفيه وقوع ما على من يعقل وهو خلاف الظاهر، ولينظر الفرق في ذلك بينه وبين انقطاع الاستثناء إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ عظيم المغفرة فيغفر ما يعتري النفوس بمقتضى طباعها ومبالغ في الرحمة فيعصمها من الجريان على موجب ذلك، والإظهار في مقام الإضمار مع التعرض لعنوان الربوبية لتربية مبادئ المغفرة والرحمة، ولعل تقديم ما يفيد الأولى على ما يفيد الثانية لأن التخلية مقدمة على التحلية، وذهب الجبائي واستظهره أبو حيان إلى أن ذلِكَ لِيَعْلَمَ إلى هنا من كلام امرأة العزيز، والمعنى ذلك الإقرار والاعتراف بالحق ليعلم يوسف أني لم أخنه ولم أكذب عليه في حال غيبته وما أبرئ نفسي مع ذلك من الخيانة حيث قلت ما قلت وفعلت به ما فعلت إن كل نفس أمارة بالسوء إلا نفسا رحمها الله تعالى بالعصمة كنفس يوسف عليه السلام إن ربي غفور لمن استغفر لذنبه واعترف به رحيم له. وتعقب ذلك صاحب الكشف بأنه ليس موجبه إلا ما توهم من الاتصال الصوري وليس بذاك، ومن أين لها أن تقول: وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي بعد ما وضح ولا كشية الأبلق أنها أمها يرجع إليها طمها ورمها.
ومن الناس من انتصر له بأن أمر التعليل ظاهر عليه، وهو على تقدير جعله من كلامه عليه السلام غير ظاهر لأن علم العزيز بأنه لم يكن منه ما قرف به إنما يستدعي التفتيش مطلقا لا خصوص تقديمه على الخروج حين طلبه الملك والظاهر على ذلك التقدير جعله له. وأجيب بأن المراد ليظهر علمه على أتم وجه وهو يستدعي الخصوص، ويساعد على إرادة ظهور العلم أن أصل العلم كان حاصلا للعزيز قبل حين شهد شاهد من أهلها وفيه نظر، ويمكن أن يقال: إن في التثبت وتقديم التفتيش على الخروج من مراعاة حقوق العزيز ما فيه حيث لم يخرج من جنسه قبل ظهور بطلان ما جعله سببا له مع أن الملك دعاه إليه، ويترتب على ذلك علمه بأنه لم يخنه في شيء من الأشياء أصلا فضلا عن خيانته في أهله لظهور أنه عليه السلام إذا لم يقدم على ما عسى أن يتوهم أنه نقض لما أبرمه مع قوة الداعي وتوفر الدواعي فهو بعدم الإقدام على غيره أجدر وأحرى، فالعلة للتثبت مع ما تلاه من القصة هي قصد حصول العلم بأنه عليه السلام لم يكن منه ما يخون به كائنا ما كان مع ما عطف عليه، وذلك العلم إنما يترتب على ما ذكر لا على التفتيش ولو بعد الخروج كما لا يخفى، أو يقال: إن المراد ليجري على موجب العلم بما ذكر بناء على التزام أنه كان قبل ذلك عالما به لكنه لم يجر على موجب علمه وإلا لما حبسه عليه السلام فيتلافى تقصيره بالإعراض عن تقبيح أمره أو بالثناء عليه ليحظى عند الملك ويعظمه الناس فتينع من دعوته أشجارها وتجري في أودية القلوب أنهارها، ولا شك أن هذا مما يترتب على تقديم التفتيش كما فعل، وليس ذلك مما لا يليق بشأنه عليه السلام بل الأنبياء عليهم السلام كثيرا ما يفعلون مثل ذلك في مبادئ أمرهم وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يعطي الكافر إذا كان سيد قومه ما يعطيه ترويجا لأمره، وإذا حمل قوله عليه السلام لصاحبه الناجي اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ [يوسف: 42] على مثل هذا كما فعل أبو حيان تناسب طرفا الكلام أشد تناسب، وكذا لو حمل ذاك على ما اقتضاه ظاهر الكلام وتظافرت عليه الأخبار.
وقيل هنا: إن ذلك لئلا يقبح العزيز أمره عند الملك تمحلا لإمضاء ما قضاه، ويكون ذلك من قبيل السعي في تحقيق المقتضي لخلاصه وهذا من قبيل التشمير لرفع المانع لكنه مما لا يليق بجلالة شأنه عليه السلام.
الصفحة 5
496