كتاب الشرح الممتع على زاد المستقنع (اسم الجزء: 7)

النبي صلّى الله عليه وسلّم، واتباعاً لسنته وسنة أصحابه، فقد قال جابر ـ رضي الله عنه ـ: كنا نصرخ بذلك صراخاً (¬1)، ولا يسمع صوت الملبي من حجر، ولا مدر، ولا شجر إلا شهد له يوم القيامة (¬2)، فيقول: أشهد أن هذا حج ملبياً، ومع الأسف أن كثيراً من الحجاج لا يرفعون أصواتهم بالتلبية إلا نادراً.
فإن قال قائل: أليس النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لأصحابه، وقد كبروا في سفر معه: «أيها الناس اربعوا على أنفسكم ـ أي: هوِّنوا عليها ـ فإنكم لا تدعون أصَمَّ ولا غائباً، إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته» (¬3)؟
قلنا: لكن التلبية لها شأن خاص، لأنها من شعائر الحج فيصوت بها، أو يقال: إن أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يهونوا على أنفسهم لأنهم كانوا يرفعون رفعاً شديداً يشق عليهم.
قوله: «وتخفيها المرأة» أي: تسر بها؛ لأن المرأة مأمورة بخفض الصوت في مجامع الرجال، فلا ترفع صوتها بذلك، كما
¬__________
(¬1) أخرجه مسلم في الحج/ باب التقصير في العمرة (1248) عن جابر وأبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنهما ـ.
ولفظه: «قالا: قدمنا مع رسول الله ونحن نصرخ بالحج صراخاً».
(¬2) أخرجه الترمذي في الحج/ باب ما جاء في فضل التلبية والحج (828) وابن ماجه في المناسك/ باب التلبية (2921) عن سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ وصححه الحاكم (1/ 451) على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
(¬3) أخرجه البخاري في الجهاد/ باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير (2992)؛ ومسلم في الذكر والدعاء/ باب استحباب خفض الصوت بالذكر (2704) عن أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ واللفظ لمسلم.

الصفحة 112