والتعليل الأول لا شك أنه الأصوب؛ لأنه لو ورد التشريك فيها بطل التعليل الثاني، فيكون مبنى الحكم على عدم ورود ذلك.
وَلاَ تُسَنُّ الفَرَعَةُ، وَلاَ العَتَيِرةُ
قوله: «ولا تسن الفرعة ولا العتيرة»، هاتان ذبيحتان معروفتان في الجاهلية وقد اختلفت الأحاديث في إثباتهما أو نفيهما، ومن ثم قال المؤلف: «لا تسن الفرعة».
والفرعة هي ذبح أول ولد للناقة، فإذا ولدت الناقة أول ولد فإنهم يذبحونه لآلهتهم تقرباً إليها، ومعلوم أن الإنسان إذا ذبح على هذا الوجه كان شركاً أكبر لا إشكال فيه، لكن لو ذبح شكراً لله على نعمته لكون هذه الناقة ولدت، فيذبح أول نتاج لها شكراً لله ـ عزّ وجل ـ؛ من أجل أن يبارك الله له في النتاج المستقبل، فهنا لا شك أن النية تخالف ما كان عليه أهل الجاهلية تماماً، ولكنها توافق ما كان أهل الجاهلية يفعلونه في الفعل وإن اختلفت النية، فهل يقال: إنها من أجل ذلك يُنْهى عنها كما نهي عن الذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله؟ هذا هو التعليل الصحيح لولا أنه ورد في السنة (¬1) ما يدل على الجواز؛ وعلى هذا فنقول:
¬__________
(¬1) من ذلك ما رواه نبيشة الهذلي قال: «قالوا: يا رسول الله إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية فما تأمرنا؟ قال: اذبحوا لله ـ عزّ وجل ـ في أي شهر ما كان، وبروا الله تبارك وتعالى وأطعموا، قال: يا رسول الله إنا كنا نفرع في الجاهلية فرعاً فما تأمرنا؟ قال: في كل سائمة فرع تغذوه ماشيتك حتى إذا استحمل ذبحته فتصدقت بلحمه، قال خالد: أراه قال: على ابن السبيل ـ فإن ذلك هو خير».
أخرجه أحمد (5/ 75، 76)؛ وأبو داود في الضحايا/ باب في العتيرة (2830)؛ والنسائي في الفرع والعتيرة/ باب تفسير العتيرة (7/ 169)؛ وابن ماجه في الأضاحي/ باب الفرع والعتيرة (3167)؛ والحاكم (4/ 235)؛ والبيهقي (9/ 311).
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في «الإرواء» (4/ 412) على شرط الشيخين.