كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 7)

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ أَبُو طَاهِرٍ، ثنا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَجَّاجِ السُّلَمِيُّ الْمُقْرِي، بِالرَّافِقَةِ ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْعَلَاءِ، - أَخُو هِلَالٍ - ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، قَالَ: " كُنْتُ فِي مَجْلِسِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ , وَكَانَ فِي مَجْلِسِهِ أَلْفُ رَجُلٍ , يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ , فَالْتَفَتَ فِي آخِرِ مَجْلِسِهِ إِلَى رَجُلٍ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ، فَقَالَ: قُمْ فَحَدِّثِ النَّاسَ بِحَدِيثِ الْحَيَّةِ , فَقَالَ الرَّجُلُ: أَسْنِدُونِي , فَأَسْنَدْنَاهُ , وَسَالَتْ جُفُونُ عَيْنَيْهِ , ثُمَّ قَالَ: أَلَا فَاسْمَعُوا وَعُوا , حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ جَدِّي، أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُعْرَفُ بِمُحَمَّدِ بْنِ حِمْيَرٍ , وَكَانَ رَجُلًا مَعَهُ وَرَعٌ , يَصُومُ النَّهَارَ , وَيَقُومُ اللَّيْلَ , وَكَانَ مُبْتَلًى بِالقَنْصِ , §فَخَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ يَتَصَيَّدُ , إِذْ عَرَضَتْ لَهُ حَيَّةٌ فَقَالَتْ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ بْنَ حِمْيَرٍ، أَجِرْنِي أَجَارَكَ اللهُ قَالَ لَهَا مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرٍ: مِمَّنْ؟ قَالَتْ: مِنْ عَدُوِّي قَدْ طَلَبَنِي , قَالَ: وَأَيْنَ عَدُوُّكِ؟ قَالَتْ لَهُ: مِنْ وَرَائِي , قَالَ: مِنْ أَيِّ أُمَّةٍ أَنْتِ؟ قَالَتْ: مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ , قَالَ: فَفَتَحْتُ رِدَائِي فَقُلْتُ: ادْخُلِي فِيهِ , فَقَالَتْ: يَرَانِي عَدُوِّي , قَالَ: فَشِلْتُ طِمْرِي فَقُلْتُ: ادْخُلِي بَيْنَ أَطْمَارِي وَبَطْنِي , قَالَتْ: يَرَانِي عَدُوِّي , قُلْتُ لَهَا: فَمَا الَّذِي أَصْنَعُ بِكِ؟ قَالَتْ: إِنْ أَرَدْتَ اصْطِنَاعَ الْمَعْرُوفَ فَافْتَحْ لِي فَاكَ حَتَّى أَنْسَابَ فِيهِ , قَالَ: أَخْشَى أَنْ تَقْتُلِينِي , قَالَتْ: لَا وَاللهِ , لَا أَقْتُلُكَ , اللهُ شَاهِدٌ عَلَيَّ بِذَلِكَ وَمَلَائِكَتُهُ , وَأَنْبِيَاؤُهُ وَحَمَلَةُ عَرْشِهِ , وَسُكَّانُ سَمَاوَاتِهِ إِنْ أَنَا قَتَلْتُكَ , قَالَ مُحَمَّدٌ: فَاطْمَأْنَنْتُ إِلَى يَمِينِهَا , فَفَتَحْتُ فَمِي فَانْسَابَتْ فِيهِ , ثُمَّ مَضَيْتُ إِذْ عَارَضَنِي رَجُلٌ وَمَعَهُ صَمْصَامَةٌ , فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ , قُلْتُ: مَا تَشَاءُ؟ قَالَ: لَقِيتَ عَدُوِّي؟ قُلْتُ: وَمَا عَدُوُّكَ؟ قَالَ: حَيَّةٌ , قُلْتُ: اللهُمَّ لَا , وَاسْتَغْفَرْتُ رَبِّي مِنْ قَوْلِي لَا مِائَةَ مَرَّةٍ , وَقَدْ عَلِمْتُ أَيْنَ هِيَ , ثُمَّ مَضَيْتُ أَقُولُ ذَلِكَ إِذْ قَدْ أَخْرَجَتْ رَأْسَهَا مِنْ فَمِي , ثُمَّ قَالَتِ: انْظُرْ مَضَى هَذَا الْعَدُوُّ؟ فَالْتَفَتُّ فَلَمْ أَرَ إِنْسَانًا , فَقُلْتُ: لَيْسَ أَرَى إِنْسَانًا , إِنْ أَرَدْتِ أَنْ تَخْرُجِي , فَاخْرُجِي , قَالَتِ: انْظُرْ مَلِيًّا , قَالَ مُحَمَّدٌ: فَرَمَيْتُ حَمَالِيقَ عَيْنِي فِي الصَّحْرَاءِ , فَلَمْ أَرَ شَبَحًا وَلَا شَخْصًا وَلَا إِنْسَانًا , فَقُلْتُ: إِنْ أَرَدْتِ أَنْ تَخْرُجِي فَاخْرُجِي , فَلَيْسَ أَرَى إِنْسَانًا , قَالَتِ: الْآنَ يَا مُحَمَّدُ , اخْتَرْ وَاحِدَةً مِنِ اثْنَتَيْنِ؟ قُلْتُ: وَمَا هِيَ؟ قَالَتْ: إِمَّا أَنْ أَنْكُتَ كَبِدَكَ فَأَفَتِّتُهَا فِي جَوْفِكَ , أَوْ أَنْكُتَكَ نَكْتَةً فَأَطْرَحَ جَسَدَكَ بِلَا رُوحٍ , -[294]- قَالَ: قُلْتُ: يَا سُبْحَانَ اللهِ أَيْنَ الْعَهْدُ الَّذِي عَهِدْتِ إِلَيَّ؟ أَيْنَ الْعَهْدُ الَّذِي عَاهَدْتِنِيهِ؟ وَالْيَمِينُ الَّذِي حَلَفْتِ لِي؟ مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيتِيهِ قَالَتْ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ , لِمَ نَسِيتَ الْعَدَاوَةَ الَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِيكَ آدَمَ , حَيْثُ أَضْلَلْتُهُ وَأَخْرَجْتُهُ مِنَ الْجَنَّةِ؟ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ طَلَبْتُ اصْطِنَاعَ الْمَعْرُوفِ , قَالَ: فَقُلْتُ لَهَا: وَلَيْسَ بُدٌّ مِنْ أَنْ تَقْتُلِينِي؟ قَالَتْ: وَاللهِ إِنْ كَانَ بُدٌّ مِنْ قَتْلِكَ قُلْتُ لَهَا: فَأَمْهِلِينِي حَتَّى أَصِيرَ إِلَى تَحْتِ هَذَا الْجَبَلِ فَأَمْهَدَ لِنَفْسِي مَوْضِعًا , قَالَتْ: شَأْنَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ: فَمَضَيْتُ أُرِيدُ الْجَبَلَ وَقَدْ أَيِسْتُ مِنَ الْحَيَاةِ , إِذْ رَمَيْتُ حَمَالِيقَ عَيْنِي نَحْوَ الْعَرْشِ , ثُمَّ قُلْتُ: يَا لَطِيفَ الْطُفْ بِلُطْفِكَ الْخَفِيِّ يَا لَطِيفُ , بِالْقُدْرَةِ الَّتِي اسْتَوَيْتَ بِهَا عَلَى عَرْشِكَ , فَلَمْ يَعْلَمِ الْعَرْشُ أَيْنَ مُسْتَقَرُّكَ مِنْهُ إِلَّا كَفَيْتَنِيهَا ثُمَّ مَشَيْتُ , فَعَارَضَنِي رَجُلٌ صَالِحٌ صُبَيْحُ الْوَجْهِ , طَيِّبُ الرَّائِحَةِ , نَقِيٌّ مِنَ الدَّرَنِ , فَقَالَ لِي: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ , فَقُلْتُ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ يَا أَخِي , قَالَ: مَا لِي أَرَاكَ قَدْ تَغَيَّرَ لَوْنُكَ؟ فَقُلْتُ: يَا أَخِي مِنْ عَدُوٍّ قَدْ ظَلَمَنِي , قَالَ: وَأَيْنَ عَدُوُّكَ؟ قُلْتُ: فِي جَوْفِي , قَالَ لِي: افْتَحْ فَاكَ , فَفَتَحْتُ فَمِي , فَوَضَعَ فِيهِ مِثْلَ وَرَقَةِ زَيْتُونَةٍ خَضْرَاءَ , ثُمَّ قَالَ: امْضُغْ , وَابْلَعْ , فَمَضَغْتُ وَبَلَعْتُ , قَالَ مُحَمَّدٌ: فَلَمْ أَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى مَغَصَتْنِي بَطْنِي , فَرَمَيْتُ بِهَا مِنْ أَسْفَلَ قِطْعَةً قِطْعَةً , فَتَعَلَّقْتُ بِالرَّجُلِ ثُمَّ قُلْتُ: يَا أَخِي , أَحْمَدُ اللهَ الَّذِي مَنَّ عَلَيَّ بِكَ , فَضَحِكَ ثُمَّ قَالَ: أَلَا تَعْرِفُنِي؟ قُلْتُ: اللهُمَّ لَا , قَالَ: يَا مُحَمَّدُ بْنَ حِمْيَرٍ: إِنَّهُ لَمَّا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْحَيَّةِ مَا كَانَ , وَدَعَوْتَ بِذَلِكَ الدُّعَاءِ ضَجَّتْ مَلَائِكَةُ السَّبْعِ سَمَاوَاتٍ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ , فَقَالَ اللهُ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي , وَجُودِي وَارْتِفَاعِي فِي عُلُوِّ مَكَانِي , قَدْ كَانَ بِعَيْنَيَّ كُلُّ مَا فَعَلَتِ الْحَيَّةُ بِعَبْدِي , فَأَمَرَنِي اللهُ - وَأَنَا الَّذِي يُقَالُ لِيَ الْمَعْرُوفُ , مُسْتَقَرِّي فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ - أَنِ انْطَلِقْ إِلَى الْجَنَّةِ فَخُذْ طَاقَةً خَضْرَاءَ , فَالْحَقْ بِهَا عَبْدِي مُحَمَّدَ بْنَ حِمْيَرٍ , يَا ابْنَ حِمْيَرٍ عَلَيْكَ بِاصْطِنَاعِ الْمَعْرُوفِ , فَإِنَّهُ يَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ , وَإِنَّهُ إِنْ ضَيَّعَهُ الْمُصْطَنَعُ إِلَيْهِ لَمْ يَضِعْ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ

الصفحة 293