كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (اسم الجزء: 7)
" وَسُئِلَ سُفْيَانُ، عَنْ قَوْلِ عَلِيٍّ: " §الْفَقِيهُ كُلُّ الْفَقِيهِ مَنْ لَمْ يُقَنِّطِ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ , وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُمْ فِي مَعَاصِي اللهِ , فَقَالَ: صَدَقَ لَا يَكُونُ التَّرْخِيصُ إِلَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ , وَلَا التَّقْنِيطُ إِلَّا فِيمَا مَضَى "
قَالَ سُفْيَانُ: وَقَالَ عَبْدُ اللهِ: " §اثْنَتَانِ مُنْجِيَتَانِ , وَاثْنَتَانِ مُهْلِكَتَانِ , فَالْمُنْجِيَتَانِ: النِّيَّةُ وَالنُّهَى , فَالنِّيَّةُ أَنْ تَنْوِيَ أَنْ تُطِيعَ اللهَ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ , وَالنُّهَى أَنْ تَنْهَى نَفْسَكَ عَمَّا حَرَّمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ , وَالْمُهْلِكَتَانِ: الْعُجْبُ، وَالْقَنُوطُ "
قَالَ سُفْيَانُ: " §وَأَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الشِّرْكُ بِاللهِ , وَالْقَنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ , وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ , وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللهِ , ثُمَّ تَلَا {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 99] , وَ {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ} [المائدة: 72] , {لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87] , {وَمَنْ يَقْنَطْ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر: 56] "
قَالَ: " وَسُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ: لَا شَيْءَ أَشَدُّ مِنَ الْوَرَعِ , قَالَ: إِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ §لَا شَيْءَ أَشَدُّ عَلَى الْجَاهِلِ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا يَعْلَمُ مَا لَهُ , وَعَلَيْهِ , وَكَيْفَ يَتَقَدَّمُ وَكَيْفَ يَتَأَخَّرُ. وَالْوَرِعُ عَلَى وَجْهَيْنِ: وَرَعٌ مُنْصِتٌ , وَهُوَ الَّذِي يَعْرِفُهُ الْعَامَّةُ , إِذَا سُئِلَ عَمَّا لَا يَعْلَمُ قَالَ: لَا أَعْلَمُ , فَلَا يَقُولُ إِلَّا فِيمَا يَعْلَمُ , وَوَرَعٌ مُنْطِقٌ يَلْزَمُهُ الْوَرَعُ الْقَوْلِيُّ , لِأَنَّهُ يَعْلَمُ فَلَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ أَنْ يُنْكِرَ الْمُنْكَرَ , وَيَأْمُرَ بِالْخَيْرِ , وَيُحَسِّنَ الْحَسَنَ , وَيُقَبِّحَ الْقَبِيحَ , وَهُوَ الَّذِي أَخَذَ اللهُ بِهِ مِيثَاقَ أَهْلِ الْكِتَابِ لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ , وَهُوَ أَشَدُّ الْوَرَعَيْنِ وَأَفْضَلُهُمَا , وَالْعَامَّةُ لَا يَجْعَلُونَ الْوَرَعَ إِلَّا السُّكُوتَ , وَأَمَّا الْقَوْلُ وَالْجَرَاءَةُ عَلَى الْقَوْلِ - وَإِنْ كَانَ عَالِمًا - فَهُوَ عِنْدَهُمْ قِلَّةُ الْوَرَعِ "
حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدِ بْنُ جَبَلَةَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: " اسْتَحَى الْمُسْلِمُونَ مِنْ عَوْرَاتِ إِخْوَانِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ , فَجَمَعُوهُمْ فَطَرَحُوهُمْ فِي قَلِيبٍ , فَأَتَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ فَجَعَلَ يَقُولُ: «أَيْ فُلَانُ , أَيْ فُلَانُ - يُسَمِّيهِمْ أَوْ مَنْ سَمَّى مِنْهُمْ - §أَلَمْ تَجِدُوا اللهَ مَلِيًّا بِمَا وَعَدَكُمُ اللهُ؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ , أَوَ يَسْمَعُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ , كَمَا تَسْمَعُونَ»
الصفحة 298