كتاب تفسير الثعلبي = الكشف والبيان عن تفسير القرآن (اسم الجزء: 7)

قوله عزّ وجلّ: الم. تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ. أَمْ يَقُولُونَ. أي، بل يقولون وقيل: الميم صلة، أي أيقولون استفهام توبيخ. وقيل: هو بمعنى الواو يعني ويقولون.
وقيل: فيه إضمار مجازه: فهل يؤمنون به، أم يقولون: افْتَراهُ ثمّ قال: بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ أي لم يأتهم من نذير مِنْ قَبْلِكَ.
قال قتادة: كانوا أمّة أميّة لم يأتهم نذير قبل محمّد (عليه السلام) . قال ابن عبّاس ومقاتل:
ذلك في الفترة التي كانت بين عيسى ومحمّد (عليهما السلام) .
لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ. اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ. يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ أي ينزل الوحي مع جبرائيل من السماء إلى الأرض ثُمَّ يَعْرُجُ يصعد إِلَيْهِ جبرائيل بالأمر في يوم واحد من أيّام الدّنيا، وقدر مسيره ألف سنة، خمسمائة نزوله من السماء إلى الأرض، وخمسمائة صعوده من الأرض إلى السماء. وما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة سنة يقول: لو ساره أحد من بني آدم لم يسره إلّا في ألف سنة، والملائكة يقطعون هذه المسافة بيوم واحد، فعلى هذا التأويل نزلت الآية في وصف مقدار عروج الملائكة من الأرض إلى السماء، ونزولهم من السماء إلى الأرض، وأمّا قوله: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ «1» فإنّه أراد مدّة المسافة من الأرض إلى سدرة المنتهى التي فيها مقام جبرائيل (عليه السلام) .
يقول: يسير جبرائيل والملائكة الذين معه من أهل مقامه مسيرة خمسين ألف سنة في يوم واحد من أيّام الدنيا، وهذا كلّه معنى قول مجاهد وقتادة والضحّاك، وأمّا معنى قوله: إِلَيْهِ على هذا التأويل فإنّه يعني إلى مكان الملك الذي أمره الله أن يعرج إليه، كقول إبراهيم (عليه السلام) إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي «2» وإنّما أراد أرض الشام. وقال: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ «3» أي إلى المدينة، ولم يكن الله تعالى بالمدينة ولا بالشام.
أخبرني ابن فنجويه، عن هارون بن محمد بن هارون، عن حازم بن يحيى الحلواني، عن محمد بن المتوكل، عن عمرو بن أبي سلمة، عن صدقة بن عبد الله عن موسى بن عقبة، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أتاني ملك برسالة من الله عزّ وجلّ، ثمّ رفع رجله فوضعها فوق السماء، والاخرى في الأرض لم يرفعها» [188] «4» .
وقال بعضهم معناه:
__________
(1) سورة المعارج: 4.
(2) سورة الصافات: 99.
(3) سورة النساء: 100.
(4) كنز العمال: 6/ 136 ح 15153.

الصفحة 326