كتاب الطبقات الكبرى ط دار صادر (اسم الجزء: 7)

حَتَّى قَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا، وَلَقَدِ الْتَقَطْتُ بُرْدَةً يَوْمَئِذٍ، فَشَقَقْتُهَا بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا بَعْدَ ذَلِكَ وَمَا مِنَّا - أَيُّهَا الرَّهْطُ السَّبْعَةُ - إِلَّا أَمِيرٌ عَلَى مِصْرٍ مِنَ الْأَمْصَارِ، وَإِنَّهُ لَمْ تَكُنْ نُبُوَّةٌ إِلَّا تَنَاسَخَهَا مُلْكٌ، فَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ يُدْرِكَنَا ذَلِكَ الزَّمَانُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ السُّلْطَانُ مَلِكًا، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ فِي نَفْسِي عَظِيمًا، وَفِي أَنْفُسِ النَّاسِ صَغِيرًا، وَسَتُجَرِّبُونَ الْأُمَرَاءَ بَعْدَنَا، وَتُجَرِّبُونَ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ قَالَ: فَبَيْنَا عُتْبَةُ عَلَى خُطْبَتِهِ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفَ بِكِتَابٍ مِنْ عُمَرَ إِلَى عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيَّ ذَكَرَ لِي أَنَّهُ اقْتَنَى بِالْبَصْرَةِ خَيْلًا حِينَ لَا يَقْتَنِيهَا أَحَدٌ، فَإِذَا جَاءَكَ كِتَابِي هَذَا فَأَحْسِنْ جِوَارَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَأَعِنْهُ عَلَى مَا اسْتَعَانَكَ عَلَيْهِ. وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَوَّلَ مَنِ ارْتَبَطَ فَرَسًا بِالْبَصْرَةِ وَاتَّخَذَهَا، ثُمَّ إِنَّ عُتْبَةَ سَارَ إِلَى مَيْسَانَ وَأَبْزِقِبَاذَ فَافْتَتَحَهَا، وَقَدْ خَرَجَ إِلَيْهِ الْمَرْزُبَانُ صَاحِبُ الْمَذَارِ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ فَقَاتَلَهُمْ، فَهَزَمَ اللَّهُ الْمَرْزُبَانَ، وَأَخَذَ الْمَرْزُبَانُ سَلَمًا، فَضَرَبَ عُنُقَهُ، وَأَخَذَ قِبَاءَهُ ومِنْطِقَتَهُ، فِيهَا الذَّهَبُ وَالْجَوْهَرُ، فَبَعَثَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَلَمَّا قَدِمَ سَلَبُ الْمَرْزُبَانِ الْمَدِينَةَ سَأَلَ النَّاسُ الرَّسُولَ عَنْ حَالِ النَّاسِ، فَقَالَ الْقَادِمُ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، عَمَّ تَسْأَلُونَ؟ تَرَكْتُ وَاللَّهِ النَّاسَ يَهْتَالُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فَنَشَطَ النَّاسُ، وَأَقْبَلَ عُمَرُ يُرْسِلُ الرِّجَالَ إِلَيْهِ الْمِائَةَ وَالْخَمْسِينَ وَنَحْوَ ذَلِكَ مَدَدًا لِعُتْبَةَ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَكَانَ سَعْدٌ يَكْتُبُ إِلَى عُتْبَةَ وَهُوَ عَامِلُهُ، فَوَجَدَ مِنْ ذَلِكَ عُتْبَةُ، فَاسْتَأْذَنَ عُمَرَ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لَهُ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْبَصْرَةِ الْمُغِيرَةِ بْنَ شُعْبَةَ، فَقَدِمَ عُتْبَةُ عَلَى عُمَرَ، فَشَكَا إِلَيْهِ تُسَلُّطَ سَعْدٍ عَلَيْهِ، فَسَكَتَ عَنْهُ عُمَرُ فَأَعَادَ ذَلِكَ عُتْبَةُ مِرَارًا، فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَى عُمَرَ قَالَ: وَمَا عَلَيْكَ يَا عُتْبَةُ أَنْ تُقِرَّ بِالْإِمْرَةِ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، لَهُ صُحْبَةٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم وَشَرَفٌ. فَقَالَ لَهُ عُتْبَةُ: أَلَسْتُ مِنْ قُرَيْشٍ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم: «حَلِيفُ الْقَوْمِ مِنْهُمْ» ، وَلِي صُحْبَةٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم قَدِيمَةٌ لَا تُنْكَرُ وَلَا تُدْفَعُ فَقَالَ عُمَرُ: لَا يُنْكَرُ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِكَ قَالَ عُتْبَةُ: أَمَا إِذَا صَارَ الْأَمْرُ إِلَى

الصفحة 7