كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (اسم الجزء: 7)

وروينا في "صحيحي البخاري ومسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إيَّاكُمْ والظن فإن الظن أكْذَبُ الحَديث" والأحاديث بمعنى ما ذكرته كثيرة، والمراد بذلك عقد القلب وحكمه على غيرك بالسوء، فأما الخواطر، وحديث النفس،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ما رمى الإنسان في مهلكة ... أبدا شيء سوى الظن الحسن
وذلك بأن يقدر المتوهم واقعاً كمطل معاملك الذي تجهل حاله حتى تسلم بسبب ذلك من أن يلحقك أذى من غيرك أو خديعة وهذا الظن ليس فيه إلحاق النقص بالغير بل المبالغة في حفظ النفس وإيثارها عن أن يلحقها سوء.
قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم) وكذا رواه مالك كما في الترغيب للمنذري ورواه أحمد والنسائي وابن ماجه كلهم من حديث أبي هريرة كما في الجامع الصغير وهو بعض حديث قال في الترغيب رواية مسلم فيه أتم الروايات. قوله: (فإن الظن أكذب الحديث) أي أكثر كذباً من باقي الكلام والكذب وإن كان من صفات الأقوال إلا أن المراد هنا عدم المطابقة للواقع سواء كان قولاً أم لا. قوله: (والمراد بذلك) أي ظن السوء المنهي عنه. قوله: (عقد القلب) أي تحقيق الظن وتصديقه بأن تركن إليه النفس ويميل إليه القلب لا ما يهجس في النفس ولا يستقر وهذا القول نقله المصنف في شرح مسلم عن الخطابي وصوبه ثم قال نقل القاضي عن سفيان أنه قال الظن الذي يأثم به هو ما ظنه وتكلم به فإن لم يتكلم يأثم أي إن لم يعقد عليه القلب لما سيأتي من المؤاخذة على ذلك وقال بعضهم يحتمل أن المراد الحكم في الشرع بظن مجرد من غير بناء على أصل ولا استدلال قال المصنف وهذا ضعيف أو باطل. قوله: (وأما الخواطر وحديث النفس الخ) قال العلماء ما يرد على القلب أربعة أقسام رحماني وملكي وشيطاني ونفساني فالأولان في الخير والآخران في الشر والفرق بين الأولين أنه إن لم يجد المرء بداً مما وقع في قلبه من داعي الخير وإجابته فهو رحماني وإلا فملكي وبين الأخيرين أنه إن كان إذا انتقل عنه إلى خاطر سوء آخر انصرف الخاطر الأول فشيطاني وإلا فنفساني لأن الشيطان غرضه مطلق العصيان فإذا أبدل خاطر السوء بمثله حصل مراده ولا كذلك النفساني فقد يكون غرضها

الصفحة 22