كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (اسم الجزء: 7)

إذا لم يستقرَّ ويستمرَّ عليه صاحبه فمعفوٌّ عنه باتفاق العلماء، لأنه لا اختيار له في وقوعه، ولا طريق له إلا الانفكاك
ـــــــــــــــــــــــــــــ
معصية خاصة لا تنصرف عنها إلى غيرها وإن ماثله ثم الخواطر وحديث النفس لها خمس مراتب هاجس فواجس فحديث نفس فعزم فتصميم فالأول ما يهجس فيها ثم يذهب فوراً والثاني يتحرك فيها قليلاً ثم يذهب ولا مؤاخذة بهما والثالث أن يتحرك فيها مع ضده فتصير النفس راكنة لهذا تارة ولهذا أخرى من غير أن يعزم على واحد منهما ولا مؤاخذة بذلك أيضاً على
الأصح بل حكي الاتفاق عليه وهذه المراتب الثلاث لا أجر فيها في الحسنات أيضاً الرابع هو أن يتحرك فيها ويثبت ويكون أرجح من ضده ويعزم عليه واختلفوا في المؤاخذة عليه فقال المحققون نعم كما نقله عنهم السبكي للخبر في التقاء المسلمين بسيفيهما المعلل لأثم المقتول بأنه كان حريصاً على قتل صاحبه ونقل عياض قبله مثل ذلك عن عامة السلف وأهل العلم من الفقهاء والمحدثين للأحاديث -أي والآيات الدالة على المؤاخذة على ذلك قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا} - وقد تظاهرت نصوص الشرع على تحريم أعمال القلب من نحو الغيبة وإرادة السوء بالمؤمن مع العزم المستقر وخالف بعضهم فقال لا يؤاخذ به ونسب للشافعي وابن عباس لتصريح اللغويين بأن الهم هو العزم وفيه نظر إذ اللغويون لا يراعون هذه الدقائق وقيل يؤاخذ بالهم بالمعصية في حرم مكة دون غيره وهو رواية عن أحمد وبه قال ابن مسعود {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} الآية ويرد بأن الإرادة القصد وهو العزم الذي هو أخص من الهم ويتأيد بما مر عن المحققين والخامس هو أن يصمم عليه بحيث ينعدم ضده وبه المؤاخذة بالأولى كما ذكره في فتح الإله. قوله: (إذا لم يستقر) أي حديث النفس أي ومثله الخواطر أو الفاعل يعود لما ذكر من الخواطر وحديث النفس والمراد أنه يعفى عما ذكر إذا لم يستقر بأن دفعه بمجرد ما خطر ولم يسترسل ولا عزم عليه أو تكلم به. قوله: (باتفاق العلماء) هذا بالنسبة إلى حديث النفس أما بالنسبة للخاطر إذا دفعه أول

الصفحة 23