كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (اسم الجزء: 7)

الله تعالى في العفو ومحبة الله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] وطريقه في تطييب نفسه بالعفو أن يُذَكِّرَ نَفْسَه أن هذا الأمر قد وقع، ولا سبيل إلى رفعه، فلا ينبغي أن أفوِّت ثوابه وخلاص أخي المسلم، وقد قال الله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 43] قال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ ... } الآية [الأعراف: 199] والآيات بنحو ما ذكرنا كثيرة.
وفي الحديث الصحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "وَاللهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أخِيهِ" وقد قال الشافعي رحمه الله: من استُرضيَ فلم يَرْضَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
بالإبراء حق الإنسان ويبقى حق الله حيث تجرأ على معصيته سامحنا الله مما جنينا بمنه وكرمه. قوله: (في العفو) في سببية والظرف في محل الصفة لثواب. قوله: (ومحبة الله) عطف على عظيم وفيه ترق لأن الثواب هو الجنة والمحبة منه عزّ وجلّ المراد منها غايتها من الرضا وإرادة التوفيق بالعبد فهي أعلى لأن الثواب بالجنة من بعض ثمرات المحبة. قوله: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} سبق الكلام على ذلك في باب ما يقول إذا غضب. قوله: {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} أي عن ظلمهم {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} لهذه الأفعال أي يثيبهم. قوله: (ولا ينبغي أن أفوِّت ثوابه) أي عفوه بالامتناع منه. قوله: (ومن صبر) أي على ظلامته فلم ينتصر (وغفر) تجاوز (إن ذلك) أي الصبر والتجاوز (لمن عزم الأمور) أي معزومها بمعنى المطلوبات شرعاً. وقوله: ({خُذِ الْعَفْوَ} الآية) تقدم الكلام فيها في باب الإعراض عن الجاهلين.
قوله: (وفي الحديث الصحيح) رواه مسلم من جملة حديث طويل من حديث أبي هريرة.
قوله: (والله في عون العبد) أي إعانته. قوله: (ما كان العبد) أي ما دام (في عون أخيه) ففيه فضيلة عون الأخ على أموره وأهمها أمور دينه إن كان الحق له أو بالتماس العفو من صاحب الحق إن كان لغيره وبوعظه وتذكيره بسوء العصيان وإعانته عليه بأن ينقذه من العذاب بالعفو عنه فضل ولا فرق في الإعانة بين كونها بالقلب أو البدن أو بهما. قوله: (قال الشافعي الخ) ورد في هذا المعنى خبر مرفوع صحيح عند ابن

الصفحة 32