كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (اسم الجزء: 7)

فهو شيطان. وقد أنشد المتقدِّمون:
قيل لي: قد أساءَ إليك فلانٌ ... ومُقام الفتى على الذلِّ عارُ
قلت: قد جاءنا وأحْدَثَ عُذْراً ... دِيةُ الذَّنْبِ عندنا الاعتذارُ
فهذا الذي ذكرناه من الحثِّ على الإبراء عن الغيبة هو الصواب. وأما ما جاء عن سعيد ابن المسيب أنه قال: لا أحلِّل من ظلمني. وعن ابن سيرين: لم أحرُمها عليه فأحلِّلها له، لأن الله تعالى حرَّم الغيبة عليه، وما كنت لأحلِّل ما حرَّمه الله تعالى أبداً، فهو ضعيف أو غلط، فإن المبرئ لا يحلِّل محرَّماً، وإنما يُسْقِط حقاً ثبت له، وقد تظاهرت نصوص الكتاب والسُّنَّة على استحباب العفو وإسقاط الحقوق المختصة بالمسقط، أو يحمل كلام ابن سيرين على أني لا أبيح غيبتي أبداً، وهذا صحيح فإن الإنسان لو قال: أبحت عرضي لمن اغتابني لم
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ماجه من حديث جودان قال قال -صلى الله عليه وسلم- من اعتذر إليه أخوه بمعذرة فلم يقبلها كان عليه من الخطيئة مثل صاحب مكس وأخرجه الضياء أيضاً وحينئذٍ ففي كلام الشافعي اقتباس. قوله: (فهو شيطان) أي مثل الشيطان في الكبر والنظر للنفس إذ لولا ذلك لقبل عذر أخيه وقد اعتذر إليه. قوله: (فهذا الذي ذكرناه الخ) وهو مذهب إمامنا الشافعي وإليه ذهب محمد بن سيرين والقاسم بن محمد كما تقدم نقله عن القرطبي في أذكار المساء والصباح وأيده بأن التمسك بالعموم هو الأصل لا سيما مع حديث أبي ضمضم. قوله: (وعن ابن سيرين الخ) لعل له في المسألتين قولين أحدهما جواز العفو مطلقاً وهو ما نقله عنه القرطبي والثاني المنع كذلك وهو ما نقله المصنف هنا. قوله: (لا يحلل محرماً) أي لا يصبر الغيبة حلالاً بأن جوز أن يغتابه أحد في مستقبل الزمن (وإنما يسقط حقاً ثبت له) بالغيبة السابقة مع بقائها على وصف الحرمة أي وإذا بطلت العلة بطل المعلول إن لم يكن له علة

الصفحة 33