كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (اسم الجزء: 7)

وإنْ تأمَّرَ عليكُمْ عَبْدٌ [حبشي]، وإنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنكُمْ فسيَرَى اختِلافاً كثيراً، فعَلَيكُمْ بِسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلفاءِ الرَّاشِدينَ المَهْدِيِّينَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الأخروية. وقوله: (وإن تأمر عليكم عبد) هذا إما من باب ضرب المثل بغير الواقع على طريق الفرض والتقدير وإلا فهو لا تصح ولايته أو من باب الإخبار بالغيب وإن نظام الشريعة يختل حتى توضع الولايات في غير أهلها والمراد بالطاعة حينئذٍ الصبر إيثاراً لأخف الضررين إذ الصبر على ولاية من لا تجوز ولايته أهون من إثارة الفتنة التي لا دواء لها ولا خلاص منها ويرشد إلى الأخير تعقيب ذلك بقوله (وإنه من يعيش منكم الخ) ففيه من معجزاته -صلى الله عليه وسلم- الإخبار بما يقع بعده من كثرة الاختلاف وغلبة المنكر وقد كان -صلى الله عليه وسلم- عالماً ذلك جملة وتفصيلاً لما صح أنه كشف له -صلى الله عليه وسلم- عما يكون إلى أن يدخل أهل الجنة والنار منازلهم ولم يكن -صلى الله عليه وسلم- بينه لكل أحد إنما كان يحذر منه على العموم ثم يلقى إلى الآحاد تفصيل بعض من ذلك كحذيفة وأبي هريرة رضي الله عنهما. قوله: (فعليكم بسنتي) أي الزموها والباء صلة وسنته -صلى الله عليه وسلم- طريقته وسيرته القويمة التي هو عليها مما أصله من الأحكام الاعتقادية والعملية الواجبة والمندوبة وغيرها (وسنة الخلفاء) وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن رضي الله عنهم أي طرائقهم فإنهم أشاعوا الدين ثم تقليدهم في حق المقلد الصرف في تلك الأزمنة القريبة من زمن الصحابة أما في زماننا فقال بعض أئمتنا لا يجوز تقليد غير الأربعة الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد رضي الله عنهم لأن هؤلاء عرفت قواعد مذاهبهم واستقرت أحكامها وخدمها تابعوهم وحرروها فرعاً فرعاً وحكماً حكماً فقل أن يوجد فرع إلا وهو منصوص لهم إجمالاً أو تفصيلاً بخلاف غيرهم فإن مذاهبهم لم تحرر وتدون كذلك فلا تعرف لها قواعد تتخرج عليها فلم يجز تقليدهم فيما حفظ عنهم منا لأنه قد يكون مشروطاً بشروط أخرى وكلوها إلى فروعها من قواعدهم فقلت الثقة لخلو ما حفظ عنهم من

الصفحة 374