كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (اسم الجزء: 7)

البدريّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " إن مِمَّا أدرَكَ الناسُ مِنْ كلام النُّبُوةِ الأولى: إذَاَ لم تَسْتَح فاصْنَعْ ما شِئْتَ"
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قال السخاوي وفي الباب عن جماعة من الصحابة اهـ. قوله: (البدري) نسبة إلى بدر سكناً لا شهوداً مع النبي -صلى الله عليه وسلم- على الأصح الذي قال به الجمهور، وتقدم أنه الأرجح، والذي ذهب إليه البخاري ومسلم في آخرين أنه شهدها وتقدمت ترجمته في باب ما يقول إذا أراد النوم واضطجع على فراشه. قوله: (إذا مما أدرك النّاس) أي مما وصل إليهم وظفروا به ومن ابتدائية خبر إن واسمها قوله إن لم تستح الخ على تأويل هذا القول والعائد إلى ما محذوف وفاعل أدرك النّاس أو ضمير يعود إلى ما والناس مفعوله لكن الرواية كما قال الكازروني على الأول وقوله من كلام النبوة أي ذوي النبوة المتقدمة على نبوة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- في الوجود وحاصل معناه أن مما اتفقت عليه الشرائع إذا لم تستحي الخ لأنه جاء في أولاها تتابعت بقيتها عليه فالحياء لم يزل في سائر الشرائع ممدوحاً ومأموراً به لم ينسخ في شرع وقد جاء في رواية لم يدرك النّاس من كلام النبوة الأولى إلا هذا. قوله: (إذا لم تستحي) من الاستحياء فالياء الأخيرة محذوفة للجازم وفي نسخة "تستح" بحذف الياءين وقوله (فاصنع ما شئت) وعيد وتهديد لمن ترك الحياء أي اصنع ما شئت فإنك مجازى عليه فهو كقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} أو المراد به الخبر كقوله: فليتبوأ مقعده من النار ومعناه أن عدم الحياء يوجب الاستهتار والانهماك في هتك الأستار أو المراد أن ما لا يستحي من الله ولا من النّاس في فعله إذا ظهر فافعله وإلا فلا فهو أمر إباحة قيل والأول أولى وأظهر ولم يذكر أحد في الآية غيره فيما يعلم
فعلم أن الحياء من أشرف الخصال وأكمل الأحوال ومن ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: الحياء خير كله الحياء لا يأتي إلا بخير وصح أن الحياء شعبة من الإيمان وليس من الحياء كما تقدم في باب وعظ الإنسان من هو أجل منه ما يمنع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع وجود شرطه بل ذاك جبن وخور وكذا ما يمنع السؤال عن مهمات المسائل في الدين إذا أشكلت عليه وفي الحديث عن عائشة نعم النساء

الصفحة 378