كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (اسم الجزء: 7)

إني أُعَلِّمُكَ كَلِماتٍ: احْفَظِ الله يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجاهَكَ، إذا سَألْتَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وسنه إذ ذاك نحو عشر سنين وقد توفي -صلى الله عليه وسلم- وهو ابن عشر أو ثلاث عشرة سنة. قوله: (إني أعلمك كلمات) أي نافعات كما جاء في رواية ينفعك الله بهن وفائدة هذا التمهيد أن يكون
الكلام أوقع في النفس لأنه لما يقول له ذلك يشتد شوقه إليه وتقبل نفسه عليه وجاء بها بصيغة جمع القلة. ليؤذنه بأنها قليلة اللفظ فيسهل حفظها وآذنه بعظيم خطرها ورفعة مجلها بتنوينها وفي تأهيله -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس لهذه الوصايا الخطيرة القدر الجامعة من الأحكام والحكم والمعارف ما يفوق الحصر دليل على أنه -صلى الله عليه وسلم- علم ما سيؤول إليه أمر ابن عباس من العلم والمعرفة وكمال الأخلاق والأحوال الباطنة والظاهرة. قوله: (احفظ الله) أي بحفظ دينه وأمره أي كن مطيعاً لربك مؤتمر بأوامره منتهياً عن نواهيه وزواجره فإن تحفظه كذلك (يحفظك) في نفسك وأهلك ودنياك سيما عند الموت إذ الجزاء من جنس العمل وهي منصوبة المحل على أنها عطف بيان أو بدل لكلمات أو استئناف وهي من أبلغ العبارات وأوجزها وأجمعها لسائر أحكام الشريعة قليلها وكثيرها فهو من بدائع جوامعه -صلى الله عليه وسلم- التي اختصه الله تعالى بها. قوله: (احفظ الله تجده تجاهك) بصم التاء وفتح الهاء وأصله وجاهك بضم الواو وكسرها ثم قلبت تاء كما في تراث. وهو بمعنى أمامك في الرواية الثانية أي تجده معك بالحفظ والإحاطة والتأييد والإعانة حيثما كنت فتأنس به وتستغني به عن خلقه فهو تأكيد لما قبله وهو من المجاز البليغ لاستحالة الجهة عليه تعالى فهو على حد إن الله مع المتقين فهي معنوية لا ظرفية وخص الأمام من بقية الجهات الستة إشعاراً بشرف المقصد وأن الإنسان مسافر إلى الآخرة غير قار في الدنيا والمسافر إنما يطلب أمامه لا غير فكان المعنى حيثما توجهت وتيممت وقصدت من أمر الدارين وقيل إن هذه الجملة استعارة تمثيلية شبه حاله في معاونة الله له ومراعاته أحواله وسرعة إنجاحه حاجته بحال من جلس أمامه يحفظه ويراعيه. قوله: (إذا سألت) أي أردت السؤال

الصفحة 382