كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (اسم الجزء: 7)

فاسألِ اللهَ، وإذَا اسْتَعَنْتَ فاسْتَعِنْ باللهِ، وَاعْلَمْ أنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ على أنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إلاَّ بشَيءٍ قَد كَتَبَهُ الله لَكَ، وَإنِ اجْتَمَعُوا على أنْ يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إلا بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ الله عَلَيكَ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(فاسأل الله) أي وحده في السؤال فإن خزائن العطاء عنده لا معطي ولا مانع إلا هو قال الله تعالى: {وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ} وفي الحديث من لم يسأل الله يغضب عليه ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله إذا انقطع وروي أنه تعالى قال لموسى صلى الله على نبينا وعليه وسلم: يا موسى سلني في دعائك -وجاء: في صلاتك- حتى ملح عجينك فلا يعتمد في أمر من الأمور إلا على مولاه لأنه المانع المعطي لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع فلا يركن العبد إلى أحد سواه فبقدر ميل القلب إلى مخلوق يبعد عن مولاه لضعف يقينه ووقوعه في هوة الغفلة عن حقائق الأمور التي تيقظ لها أرباب التوكل واليقين فأعرضوا عما سواه وأنزلوا جميع حوائجهم بباب كرمه وجوده لأنه المتكفل لكل متوكل بما يحبه ويتمناه قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} قوله: (وإذا استعنت) أي طلبت الإعانة في شيء من الأمور (فاستعن بالله) وحده لما علمت أنه سبحانه هو القادر وغيره عاجز عن كل شيء حتى عن جلب مصالح نفسه ودفع مضارها والاستعانة إنما تكون بقادر على الإعانة أما من هو كل على مولاه لا قدرة له على إنفاذ ما يهواه لنفسه فضلاً عن غيره فكيف يؤهل للاستعانة أو يستمسك بسببه فلا يستعان إلا بالله كما أفاده تقديم المعمول المؤذن بالحصر في قوله: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فمن أعانه مولاه فهو المعان ومن خذله فهو المخذول وكتب الحسن إلى عمر بن عبد العزيز لا تستعن بغير الله يكلك إليه وقد أرشد -صلى الله عليه وسلم- إلى الخروج عن السوي في جميع الأحوال والإقبال على المولى والتوكل عليه في كل حال وقد أكد التوكل عليه تعالى حيث قال (واعلم أن الأمة لو اجتمعت الخ)
كما يشهد به قوله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ} وإن يردك بخير فلا راد لفضله والمعنى وحد الله تعالى في لحوق الضرر والنفع فهو الضار النافع ليس معه أحد في ذلك لما تقرر أن أزمة الموجودات بيده سبحانه منعاً وإطلاقاً فإذا أراد غيرك ضرك بما لم يكتب عليك دفعه تعالى عنك بصرف ذلك الغير عن مراده بعارض من عوارض القدرة

الصفحة 383