كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (اسم الجزء: 7)

لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، ومَا أصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ" وفي آخره "وَاعْلَمْ أن النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
يصل إليك (لم يكن) مقدار عليك (ليصيبك) لأنه بان بكونه أخطأك أنه مقدر على غيرك وفي الكلام مبالغة من وجوه من حيث دخول اللام المؤكدة للنفي على معمول الخبر وتسليط النفي على الكينونة وسرايته في الخبر (وما أصابك) منها (لم يكن) مقدراً على غيرك (ليخطئك) وإنما هو مقدر عليك إذ لا يصيب الإنسان إلا ما قدر عليه والمعنى أنه فرغ ما أصابك أو أخطأك من خير أو شر (فما أصابك فإصابته لك محتومة فلا يمكن أن يخطئك وما أخطأك فسلامتك منه محتومة فلا يمكن أن يصيبك لأنها سهام صائبة) وجهت من الأزل فلا بد أن تقع مواقعها وفي الحديث المرفوع (إن) لكل شيء حقيقة وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه رواه أحمد ففي ذلك حث على التفويض والتوكل على الله سبحانه ونفي الحول والقوة عن السوى مع شهود أنه سبحانه الفاعل لما يشاء وأن ما قضاه وأبرمه لا يمكن أن يتعدى حده المقدر له وهذا راجع إلى قوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} الآية وإنما قلنا هذه الجملة واسطة عقد هذه الوصية لأن ما قبلها وما بعدها مفرع عليها راجع إليها فإن من علم أنه لن يصيبه إلا ما كتب له من خير أو شر وإن اجتهاد الخلق كلهم بخلاف المقدور لا يجدي شيئاً البتة علم أنه سبحانه هو المعطي المانع الضار النافع فأفرده بالطاعة وحفظ حدوده وخافه ورجاه وأحبه وقدم طاعته على طاعة خلقه كلهم وأفرده بالاستعانة والسؤال والتضرع إليه والرضا بقضائه حالتي
الشدة والرخاء والمنع والعطاء. قوله: (واعلم أن النصر مع الصبر الخ) وجه مناسبتها لما قبلها أنه لما ذكر في سابقها تصريف الأقدار وأن كل شيء بمقدار نبه -صلى الله عليه وسلم- على أن الإنسان لا سيما الصالحون في التقدير الإلهي معرضون للمحن والمصائب وطروق المنغصات والمتاعب فينبغي للإنسان إن لم يقر بمقام الرضا أن يتحلى بالصبر على مر القضاء وينتظر

الصفحة 386