كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (اسم الجزء: 7)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في أثناء كلام كتابته سبحانه على نفسه تستلزم إرادته لما كتبه ومحبته له ورضاه به أي كما في {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} وتحريمه على نفسه يستلزم بغضه لما حرمه وكراهته له وإرادة ألا يفعله فإن محبته للفعل تقتضي وقوعه منه وكراهته لأن يفعله تمنع وقوعه منه وهذا غير ما يحبه سبحانه ويكرهه من أفعال عباده فإن محبة ذلك منهم لا تستلزم وقوعه وكراهته منهم لا تمنع وقوعه ففرق بين فعله هو سبحانه وبين فعل عباده الذي هو مفعوله فهذا يحصل مع كراهته وبغضه له ويتخلف مع محبته له ورضاه به بخلاف فعله سبحانه فيهما فهذا نوع وذاك نوع فتدبر هذا الموضع فإنه من مزال الأقدام وتأمل أين تكون المحبة منه وكراهته موجبة لوجود الفعل ولمنع وقوعه ونكتة هذه المسألة هي الفرق بين ما يريد أن يفعله سبحانه وما لا يريد أن يفعله وبين ما يحب من عبده أن يفعله (وما لا يحب منه أن يفعله) ومن حقق هذا المقام زالت عنه شبهات وأوهام وقال: لا مانع من أنه تعالى يوجب على نفسه أو يحرم عليها وبين ذلك بما حاصله أن طلب الحي من نفسه أمر معقول وكذا أمره لها ونهيه قال تعالى: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} وقال {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} فإذا كان معقولاً أن يأمر الإنسان نفسه وينهاها والأمر والنهي طلب مع أن فوقه أمراً ونهياً فكيف يستحيل ممن لا آمر فوقه ولا ناهي وهو قد أخبر في كتابه أنه كتب على نفسه الرحمة فهذا إيجاب منه على نفسه وهو الموجب وهو متعلق الإيجاب الذي أوجب فأوجبه بنفسه على نفسه ونظير هذا الإيجاب التحريم في حديث إني حرمت الظلم الخ فهذا التحريم نظير ذلك الإيجاب ولا يلتفت إلى ما قيل في ذلك من التأويلات الباطلة وإذا كان معقولاً من الإنسان أن يوجب على نفسه ويأمرها وينهاها مع كونه تحت أمر غيره ونهيه فالآمر الناهي الذي ليس فوقه آمر ولا ناه كيف يستحيل في حقه أن يحرم على نفسه ويكتب عليها اهـ. ومن التأويلات ما قال بعضهم حرمت من التحريم وهو المنع سمي تقديسه عن الظلم تحريماً لمشابهته الممنوع في تحقق الندم

الصفحة 390