كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (اسم الجزء: 7)

باللَّيل والنهارِ، وأنا الذي أغْفِرُ الذنُوبَ ولا أبالي، فاسْتَغْفِرُوني أغْفِرْ لَكُمْ، يا عبادِي كلُّكُمْ جائعٌ إلاَّ مَنْ أطْعَمْتُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اهـ. فما ذكره من حصر أخطأ فيما فعل لا عن قصد ممنوع بل يأتي بمعنى الثلاثي أيضاً كما ذكره المصنف والمخاطب بهذا غير المعصومين. وقوله: (بالليل والنهار) هو من باب المقابلة
لاستحالة وقوع الخطأ من كل منهم ليلًا ونهاراً وفيه من التوبيخ ما يستحي معه كل مؤمن لأنه إذا لمح أن الله خلق الليل ليطاع فيه سراً ويسلم من الرياء استحى أن ينفق أوقاته إلا في ذلك وأن يصرف ذرة منها للمعصية كما أنه يستحي بالجبلة والطبع أن يصرف شيئاً من النهار حيث يراه النّاس للمعصية. قوله: (وأنا أغفر الذنوب) أي ما عدا الشرك قال تعالى: {إنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وكذا يخص بهذه الآية آية {إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} وهذه الجملة اعتراضية للتأكيد في المبالغة في حسن الرجاء ويؤيد ذلك أل الاستغراقية وقوله جميعاً المفيد كل منهما العموم فلا يقنط مذنب من رحمة الله وإن عظم ذنبه فهو في جنب العفو كاللمم وتقديم المسند في قوله وأنا أغفر لإفادة التقوى في الحكم والإتيان بالمضارع لإفادة استمرار التجدد ففيه الإيماء إلى نص السنة من أن ما سوى الشرك يجوز غفرانه وإن لم يتب منه. قوله: (فاستغفروني) أي سلوني الغفران (أغفر لكم) بمحض الامتنان وسبق في باب الاستغفار حديث لولا تذنبون وتستغفرون لذهب الله بكم وجاء بقوم غيركم فيذنبون ويستغفرون فيغفر لهم وأحاديث أخر وأصل الغفر الستر فغفر الذنب ستره ومحو أثره
وأمن عاقبته وحكمة التوطئة لما بعد الفاء بما قبلها بيان أن غير المعصوم والمحفوظ لا ينفك غالباً عن المعصية فحينئذٍ يلزمه أن يجدد لكل ذنب ولو صغيرة التوبة وهي المرادة هنا من الاستغفار إذ ليس فيه مع عدمها كبير فائدة وشتان بين ما يمحو الذنب بالكلية وهو التوبة النصوح وبين ما يخفف عقوبته أو يؤخرها إلى أجل وهو مجرد الاستغفار. قوله: (كلكم جائع الخ) فإن النّاس كلهم لا ملك لهم في الحقيقة

الصفحة 393