كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (اسم الجزء: 7)

فلاَ يَلُومَنَّ إلاَّ نَفْسَه".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فلا يعاجل بالعقوبة ولا يهتك الستر. قوله: (فلا يلومن إلا نفسه) لبقائها على الظلمة الأصلية واكتساب المعاصي والمظالم وهي السبب فيها فلما آثرت شهواتها ولذاتها على رضى خالقها ورازقها فكفرت بأنعمه ولم تذعن لأحكامه وحكمه استحقت أن يعاملها بمظهر عدله وأن يحرمها مزايا جوده وفضله ونسأل الله العافية عن ذلك بمنه وأعمال العباد وإن كانت غير موجبة لثواب أو عقاب بذواتها كما سبق إلا أنه تعالى أجرى عادته بربطهما بها ربط المسببات بالأسباب وأكد الفعل هنا بالنون تحذيراً أن يخطر في قلب عامل أن يستحق اللوم غير نفسه وليس كذلك لأن الله تعالى أوضح وأعذر حتى لم يبق
حجة لأحد وفيه إيماء إلى دوام ذم ابن آدم وقلة إنصافه فإنه يحسب طاعته من عمله لنفسه ولا يسندها إلى التوفيق ويتبرأ من معاصيه ويسندها إلى الأقدار فإن كان لا تصرف له كما يزعم فهلا كان ذلك في الأمرين وإن كان له تصرف فلم ينفه عن أحدهما ووجه ختم الحديث بهذه الجملة التنبيه على أن عدم الاستقلال بنحو الإطعام والستر لا يناقض التكليف بالفعل تارة وبالترك أخرى لأنا وإن علمنا أن لا نستقل لكن نحس بالوجدان الفرق بين الحركة الاضطرارية كحركة المرتعش والاختيارية كحركة السليم وهذه التفرقة راجعة إلى ممكن محسوس مشاهد وأمر معتاد يوجد مع الاختيار دون الاضطرار وهذه التفرقة هي مورد التكليف المعبر عنه بالكسب فلا تناقض ولا تعسف، والحاصل أن المعاصي التي يترتب عليها العقاب والشر وإن كانت بقدر الله وخذلانه فهي بكسب العبد فليلم الإنسان نفسه لتفريطه بالكسب القبيح وإن قول القدرية هذا حجة لنا لأن لوم العبد نفسه (على سوء العاقبة يقتضي أنه الخالق لأفعاله وأن قوله فلا يلومن إلا نفسه) تنصل من المعصية و (أنه) ليس له فيها تأثير بخلق فعل ولا تقدير باطل بنص قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} والآيات في هذا المعنى كثيرة يلزمهم أن من وجد خيراً لا يحمد الله لأنه لا أثر له على ما زعموا بل يحمد الإنسان نفسه لأنه الخالق لطاعته الموجد لسلامته وهذا مراغمة للنص المذكور

الصفحة 398