كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (اسم الجزء: 7)

-صلى الله عليه وسلم-: "وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلْ إذَا لَمْ أعْدِلْ".
وروينا في "صحيح مسلم" عن عدي بن حاتم رضي الله عنه، أن رجلاً خطب عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بِئْسَ الخَطِيبُ أنْتَ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
التميمي واسمه حرقوص) وهو أصل الخوارج وهو الذي حمل على علي رضي الله عنه ليقتله فقتله علي وهو غير ذي الخويصرة اليماني الذي بال في المسجد كما تقدم في باب ما يقول في المسجد ونبه عليه ابن النحوي في شرح البخاري.
قوله: (وروينا في صحيح مسلم الخ) ورواه النسائي. قوله: (رشد) بفتح الشين المعجمة وكسرها. قوله: (غوى) بفتح الواو وكسرها قال القاضي عياض الصواب الفتح لأنه من الغي وهو الانهماك في الشر. قوله: (بئس الخطيب أنت) قال القرطبي ظاهره أنه أنكر عليه جمع اسم الله تعالى واسم رسوله في ضمير واحد ويعارضه ما تقدم في حديث ابن مسعود في خطبة النكاح ومن يعصهما
فإنه لا يضر إلا نفسه رواه أبو داود وفي حديث أنس ومن يعصهما فقد غوى وهما صحيحان ويعارضه قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} فجمع بين ضمير الله وملائكته ولهذه المعارضة صرف بعض القراء هذا الذم إلى أن ذلك الخطيب وقف على ومن يعصهما وهذا تأويل لم تساعده الرواية فإن الرواية الصحيحة أنه أتى باللفظين في سياق واحد وأن آخر كلامه فقد غوى ثم إن النبي -صلى الله عليه وسلم- رد عليه وعلمه صواب ما أخل به فقال قل ومن يعص الله ورسوله فقد غوى فظهر أن ذمه من حيث الجمع بين الاسمين في ضمير واحد وحينئذٍ توجه الإشكال، ويتخلص عنه من أوجه (أحدها) أن المتكلم لا يدخل تحت عموم خطاب نفسه إذا وجهه لغيره فقوله بئس الخطيب أنت منصرف لغيره -صلى الله عليه وسلم- لفظاً ومعنى (ثانيها) أن إنكاره على ذلك الخطيب يحتمل أن يكون كان هناك من يتوهم التسوية من جمعهما في الضمير الواحد فمنع ذلك من أجله وحيث عدم ذلك جاز الإطلاق (ثالهما) أن ذلك الجمع تشريف ولله تعالى أن يشرف من شاء بما شاء ويمنع من مثل ذلك الغير كما أقسم بكثير من المخلوقات ومنعنا من القسم بها فقال تعالى: {إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} وكذا أذن لنبيه -صلى الله عليه وسلم- في إطلاق مثل ذلك ومنع

الصفحة 64