كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (اسم الجزء: 7)

لأنه لا يدري سِرَّ الله تعالى في خلقه، هكذا كان بعض علمائنا يقول، هذا كلام الحميدي.
وقال الخطابي: معناه: لا يزال الرجل يعيب النّاس ويذكر مساويهم ويقول: فسد النّاس وهلكوا ونحو ذلك، فإذا فعل ذلك فهو أهلكهم: أي أسوأ حالاً منهم فيما يلحقه من الإثم في عيبهم والوقيعة فيهم، وربما أدَّاه ذلك إلى العُجْب بنفسه ورؤيته أن له فضلاً عليهم، وأنه خيرٌ منهم فيهلك، هذا كلام الخطابي فيما رويناه عنه في كتابه "معالم السنن".
وروينا في سنن أبي داود رضي الله عنه قال: حدثنا القعنبي عن مالك عن سهل ابن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، فذكر هذا
ـــــــــــــــــــــــــــــ
محقراً للناس مزرياً بهم معجباً بنفسه وعمله- أحق بالهلاك منهم فهو أشدهم هلاكاً. قوله: [لأنه لا يدري سر الله في خلقه) أي فقد يكون ذو العمل السيئ ممن سبقت له السعادة فيوفق آخراً للعمل بها وضده بضده كما في خبر ابن مسعود مرفوعاً فوالذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها الحديث فالأعمال أمارات لا مؤثرات فحق المؤمن إذا رأى أخاه المؤمن خالف طريق السداد أن ينصحه ويعظه ولذكره لا أن يزدريه به وينتقصه ويحقره ويرى نفسه لتخييلها عليه وخداعها له خيراً من أخيه وإن كان عمل الإنسان في الظاهر حسناً فقد يختم لذلك الفاسق بحسن العمل ويبلغ الأمل والله الفعال لما يشاء. قوله: (معناه الخ) فهو كناية عن ترك الاغتياب وتنبيه على قبح ما يترتب عليه من كون صاحبها في أشد الهلاك. قوله: (فيهلك) أي هلاكاً مضموماً إلى هلاك غيبته. قوله: (عنه) أي عن أبي

الصفحة 74