كتاب الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية (اسم الجزء: 7)

الحديث، ثم قال: قال مالك: إذا قال ذلك تحزُّناً لما يرى في النّاس قال: يعني من أمر دينهم فلا أرى به بأساً، وإذا قال ذلك عجباً بنفسه وتصاغراً للناس فهو المكروه الذي نهي عنه.
قلت: فهذا تفسير بإسناد في نهاية من الصحة، وهو أحسن ما قيل في معناه، وأوجزه، ولا سيما إذا كان عن الإِمام مالك رضي الله عنه.
فصل: روينا في سنن أبي داود بالإسناد الصحيح عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تَقُولُوا: ما شاءَ اللهُ وشاءَ فُلانٌ، ولَكِنْ قُولُوا: ما شاءَ اللهُ ثُمَّ ما شاءَ فُلانٌ".
قال الخطابي وغيره: هذا إرشاد إلى الأدب، وذلك أن الواو للجمع والتشريك، و"ثم" للعطف مع الترتيب والتراخي، فأرشدهم -صلى الله عليه وسلم- إلى تقديم مشيئة الله تعالى على مشيئة من سواه. وجاء عن إبراهيم النخعي أنه كان يكره أن يقول الرجل: أعوذ بالله وبك، ويجوِّز أن يقول: أعوذ بالله ثم بك، قالوا: ويقول: لولا الله ثم فلان لفعلت كذا ولا يقول: لولا الله وفلان.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
داود. قوله: (تحزناً) أي إظهاراً للحزن على ما فاتهم من الخير المديني. قوله: (فلا أرى) بضم الهمزة أي أظن (به بأساً) قال القرطبي أما لو قال ذلك على جهة الشفقة على أهل عصره وأنهم بالنسبة إلى من تقدمهم من أسلافهم كالهالكين فلا يتناوله هذا الذم فإنها عادة جارية
في أهل العلم والفضل يعظمون أسلافهم ويفضلونهم على من بعدهم ويقصرون بمن خلفهم وقد يكون هذا على وجه الوعظ والتذكير ليقتدي اللاحق بالسابق فيجتهد المقصر ولتدارك المفرط كما قال الحسن لقد أدركت أقواماً لو أدركتموهم لقلتم مرضى ولو أدركوكم لقالوا هؤلاء لا يؤمنون بيوم الحساب اهـ. قوله: (عجباً) بضم المهملة وسكون الجيم. قوله: (وتصاغراً) أي رؤية الصغر في غيره من النّاس. قوله: (لأن الواو للجمع والتشريك) أي فربما توهم مقارنة مشيئة العبد بمشيئة الله

الصفحة 75