كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 7)

يدفن مع صاحبيه، فسلم واستأذن، ثم دخل عليها، فوجدها قاعدة تبكي، فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه؟ فقالت: كنت أريده لنفسي، ولأوثرنه به اليوم على نفسي، فلما أقبل قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء. قال: ارفعوني، فأسنده رجل إليه، فقال: ما لديك يا عبد الله؟ قال: الذي تحب يا أمير المؤمنين، قد أذنت. قال: الحمد لله، ما كان من شيء أهم لي من ذلك، فإذا أنا قضيت فاحملوني، ثم سلم، فقل: يستأذن عمر بن الخطاب؟ فإن أذنت لي فأدخلوني، وإن ردتني فردوني إلى مقابر المسلمين. فقالوا: أوص يا أمير المؤمنين، استخلف. قال: أأحمل هم الخلافة حيا وميتا؟ وفهم ابن عمر من هذا ومن كلام أخته حفصة له: إن أباك لن يستخلف، فهم أنه يحب أن لا يستخلف.
فقال له: يا أمير المؤمنين، لو كان لك راعي إبل، أو راعي غنم، ثم جاءك وتركها، دون أن يقيم عليها حارسا آخر، رأيت أنه قد تسبب في ضياعها، وأنه مسئول عما يحدث لها من أضرار، وأنت إذا لم تستخلف قد تتسبب في فرقة الأمة وضياعها؟ فأعجب هذا القول عمر، ثم قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم عزم على أن يستخلف، لكنه لم يستخلف، وإن أبا بكر اعتمد على عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستخلف، فإن لم أستخلف فقد اقتديت بالنبي صلى الله عليه وسلم وفعله، وإن أستخلف فقد اقتديت بعزم النبي صلى الله عليه وسلم وفعل أبي بكر، وسكت قليلا، ثم قال: ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فسمى عليا وعثمان والزبير وطلحة وسعدا وعبد الرحمن. قال: ويشهدكم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيء، فلما فرغوا من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط، فبويع عثمان، رضي الله عن الصحابة أجمعين.

-[المباحث العربية]-
(الاستخلاف) أي تعيين الخليفة عند موته خليفة بعده، أو تعيينه جماعة، ليتخيروا منهم واحدا.
(حضرت أبي حين أصيب) أي حين طعنه أبو لؤلؤة طعنة الموت، والمراد بعد أن أصيب، وليس لحظة الإصابة، فالرواية الثانية تصرح بأن هذا الحضور الذي حدث فيه هذا التقاول كان بعد يوم أو أكثر من الإصابة، وبعد أن سمع من أخته أن أباه غير مستخلف.
(فأثنوا عليه، وقالوا: جزاك الله خيرا) كانت الطعنة نافذة قاضية، لم تترك مجالا عندهم لظن الحياة بعدها، بحكم خبرتهم، فقالوا ما قالوا، وقد جاء أن من أثنى عليه ابن عباس، وأنه قال: ألست قد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعز الله بك الدين والمسلمين، إذ يخافون بمكة؟ فلما أسلمت كان إسلامك عزا؟ وظهر بك الإسلام؟ وهاجرت فكانت هجرتك فتحا؟ ثم لم تغب عن مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتال المشركين؟ ثم قبض وهو عنك راض؟ ووازرت الخليفة بعده على منهاج النبي صلى الله عليه وسلم؟ فضربت من أدبر بمن أقبل؟ ثم قبض الخليفة وهو عنك راض؟ ثم وليت بخير ما ولي الناس؟ مصر الله بك الأمصار، وجبا بك الأموال؟ ونفى بك العدو؟ وأدخل بك على أهل بيت من سيوسعهم في دينهم وأرزاقهم؟ ثم ختم لك بالشهادة، فهنيئا لك. فقال: والله إن المغرور من تغرونه. أتشهد لي يا

الصفحة 417