كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 7)

سمرة: لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها" ووصيته لأبي ذر الغفاري، ضعيف البدن، ضعيف الخبرة "إني أراك ضعيفا، وأحب لك ما أحب لنفسي" من جلب الخير ودفع الشر فلا تحرص على الإمارة ولو على اثنين، ولا تكن وليا على مال يتيم.
وكانت سياسته صلى الله عليه وسلم أن لا يولي من يسأل الإمارة، لأن سؤاله جهل بتبعاتها، واستهتار بمسئولياتها، ومثله لا يولى؛ ولأنه لن يعان عليها، ومن لا يعان من الله عليها لا يصلح لها، وطبق صلى الله عليه وسلم هذه السياسة على أبي موسى الأشعري وابني عمه، إذ جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فطلب كل من ابني عمه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوليه، فقال لهما: "إنا لا نولي من سأل، ولا من حرص، ثم قال: ما تقول يا أبا موسى. قال: والذي بعثك بالحق ما علمت أنهما سيطلبان الولاية، ولو علمت ما وافقت على صحبتهما إليك، فقال له: أنت الأهل بالولاية، والأحق بها منهما. اذهب إلى اليمن بلد قومك واليا عليهم، يقاسمك في ولايتها معاذ بن جبل، فبشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا. فسارا على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذا يتزاوران، ويقيمان حدود الله وشرائعه، ويعبدان الله في السر والعلن، يصومان النهار، ويقومان الليل، ويرطبان لسانهما في أغلب الأحيان بقراءة القرآن، صورة حية للوالي المسلم المطيع لربه، الدارج على نهج رسوله وتعاليمه، صلى الله عليك وسلم يا رسول الله، ورضي عن أصحابك أجمعين.

-[المباحث العربية]-
(والحرص عليها) أي والحرص على طلب تحصيلها.
(لا تسأل الإمارة) هذا الذي في أكثر طرق الحديث، وفي رواية بلفظ "لا تتمنين" بصيغة النهي عن التمني، مؤكدا بالنون الثقيلة، والنهي عن التمني أبلغ من النهي عن الطلب، والإمارة تشمل الإمارة العظمى، وهي الخلافة والصغرى وهي الولاية على بعض البلاد، والمراد هنا الثاني.
(فإنك إن أعطيتها عن مسألة) الفاء للتعليل، و"أعطيتها" بضم الهمزة، مبني للمجهول، و"عن مسألة" أي عن سؤال.
(أكلت إليها) قال النووي: هكذا هو في كثير من النسخ، أو أكثرها "أكلت" بضم الهمزة، وفي بعضها "وكلت" بالواو المضمومة، قال القاضي: والصواب بالواو، أي أسلمت إليها، ولم يكن معك إعانة، بخلاف ما إذا حصلت بغير مسألة. اهـ. قال الحافظ ابن حجر: "وكلت" بضم الواو، وكسر الكاف مخففا ومشددا، مع سكون اللام، ومعنى المخفف صرفت إليها، ومن وكل إلى نفسه هلك، ومنه في الدعاء "ولا تكلني إلى نفسي" ووكله بالتشديد استحفظه.
(وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها) ومن المعلوم أن كل ولاية لا تخلو من مشقة،

الصفحة 424