كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 7)

وسلم في هذا الحديث عقوبتهم في الآخرة، وهي تتشعب إلى شعبتين، شعبة أدبية معنوية، وهي الفضيحة على رءوس الخلائق، جزاء من جنس العمل، أو بنقيض القصد، فقط كان يتخفى عن أعين الناس وسمعهم حين غل، فليأت يوم القيامة يحمل سرقته على كتفه، ليراه الخلائق، وليس الحمل في صمت، حتى لا يعلم من لا يرى، بل يكون للمسروق صوت يلفت به الأنظار، مبالغة في الفضيحة، حتى الثياب التي لا صوت لها في العادة، يبعث الله عليها ريحا لتخفق كالعلم في الهواء، يسمع قعقعتها من لا يراها. أما الشعبة الثانية فهي العذاب بالنار ففي الحديث أن الرجل الذي غل شملة من الغنيمة ستشتعل عليه الشملة نارا، وحتى الرجل الذي غل شراك نعل، أي خيط نعل سيربط في قدمه يوم القيامة ويشتعل نارا.
وقد حذر صلى الله عليه وسلم وأنذر، فلا عذر لمعتذر، ولا قبول لاستغاثة مستغيث يوم القيامة، حتى الرحمة المهداة صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه ربه {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم} [التوبة: 128] يوم يستغيث به الغال يقول له: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك وأنذرتك، {يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون} [الدخان: 41].

-[المباحث العربية]-
(قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي قام خطيبا وواعظا.
(ذات يوم) "ذات" مؤنث "ذو" بمعنى صاحب، وتقحم في كلام العرب، فتضاف لما بعدها، وتأخذ حكمه، فيقال: لقيته ذات يوم، أي لقيته في يوم، ولقيته ذات مرة، أي لقيته مرة، وقلت ذات يده، أي قلت يده، أي ما ملكت يده، وأصلح ذات بينهم، أي أصلح بينهم، وجلس ذات اليمين، أي جلس يمينا.
(فذكر الغلول) أصل الغلول الخيانة مطلقا، ثم غلب اختصاصه بالخيانة في الغنيمة، قال نفطويه: سمي بذلك لأن الأيدي مغلولة عنه، أي محبوسة عنه، وقال ابن قتيبة: سمي بذلك لأن صاحبه وآخذه يغله في متاعه، أي يخفيه فيه.
(فعظمه، وعظم أمره) أي عظم فعله، وعظم عقوبته.
(لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء) قال النووي: هكذا ضبطناه "لا ألفين" بضم الهمزة وسكون اللام وكسر الفاء، أي لا أجدن أحدكم على هذه الصفة، ومعناه لا تعملوا عملا أجدكم بسببه على هذه الصفة. قال القاضي: ووقع في رواية "لا ألقين" بفتح الهمزة والقاف، وله وجه، لكن المشهور الأول. اهـ.
قال الحافظ ابن حجر: والمراد بلفظ النفي النهي، وهو وإن كان من نهي المرء نفسه فليس المراد ظاهره، وإنما المراد نهي من يخاطبه عن ذلك. اهـ. تقول: لا أراك هنا، فلفظه نفي رؤيتي له، وظاهره

الصفحة 438