كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 7)

ما حملوا وعليكم ما حملتم". "تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك". "من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، ثم مات. مات ميتة جاهلية". "من خرج من أمتي على أمتي، يضرب برها وفاجرها، لا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي بذي عهدها، فليس مني". "من أراد أن يفرق أمر هذه الأمة، وهي جميع، فاضربوه بالسيف".
تحذيرات كثيرة، وأوامر متعددة، ونواه ووعيد، لم تقف أمام الأهواء والمطامع البشرية فكانت النتيجة -نتيجة البعد عن تعاليم الرسول الحريص علينا- ما نحن فيه حتى اليوم من كثرة كثيرة، لكنها غثاء كغثاء السيل، فرق وشيع وأحزاب في كل دولة، وخصام وتقاطع واتجاهات متعارضة بين الدول الإسلامية. نشهد أن محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وعبد ربه حتى أتاه اليقين، وهدى الله المسلمين إلى الصراط المستقيم.

-[المباحث العربية]-
(ألا تستعملني) السين والتاء للصيرورة، أي ألا تصيرني عاملا لك على الصدقات أو على القضاء، أو الولاية على منطقة؟ و"ألا" بفتح الهمزة ولا، للعرض والتحضيض، وهو الطلب برفق.
(إنكم ستلقون بعدي أثرة) بفتح الهمزة والثاء، ويقال: بضم الهمزة وإسكان الثاء، وبكسر الهمزة وإسكان الثاء، ثلاث لغات، وهي الاستئثار والاختصاص بأمور الدنيا، أي اسمعوا وأطيعوا واصبروا، وإن اختص جماعة غيركم بالولايات والدنيا.
والخطاب في "إنكم" للأنصاري، أي إنكم معشر الأنصار ستلقون من غيركم بعدي أثرة. قال الحافظ ابن حجر: لا يلزم من مخاطبة الأنصار بذلك أن يختص بهم، فإنه يختص بهم بالنسبة إلى المهاجرين، ويختص ببعض المهاجرين دون بعض، فالمستأثر من يلي الأمر، ومن عداه هو الذي يستأثر عليه، فخطاب الأنصار لوضع معين، وخوطب الجميع بالنسبة لمن يلي الأمر بعد ذلك، فقد ورد بالتعميم في نصوص كثيرة.
(أرأيت إن قامت علينا أمراء) "أرأيت" بمعنى أخبرني، عن طريق مجازين، الأول في الاستفهام حيث أريد منه مطلق الطلب بعد أن كان لطلب الفهم، الثاني في الرؤية، حيث أريد منها ما يتسبب عنها غالبا من الإخبار، بعلاقة السببية، فآل الأمر إلى طلب الإخبار المدلول عليه بلفظ أخبرني، أي أخبرني ماذا نفعل إذا تولى علينا ولاة صفتهم كيت وكيت؟ .
(يسألونا حقهم، ويمنعونا حقنا) كان حقه أن يقول "يسألوننا" و"يمنعوننا" لكنه حذف نون الأفعال الخمسة تخفيفا على لغة.
(فأعرض عنه) أي عن جوابه، إما لأن الأمر لا يعنيه، لأنه لن يدركه، والسؤال عما لا يعني من الحكمة الإعراض عنه، وإما لأن الظروف غير مناسبة لمثل هذا السؤال.

الصفحة 472