كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 7)

ماء نتوضأ به، ولا نشرب إلا ما في ركوتك، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده في الركوة، فجعل الماء يفور من بين أصابعه، كأمثال العيون" وفي رواية البراء "فأتاها، فجلس على شفيرها، ثم دعا بإناء من ماء، فتوضأ، ثم مضمض، ودعا، ثم صبه فيها، ثم قال: دعوها ساعة. فشربوا وتوضئوا قيل لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال -كما في الرواية السادسة- "لو كنا مائة ألف لكفانا".
فمعنى قوله "دعا على بئر الحديبية" أي دعا فيها بالبركة.
(لو كنت أبصر لأريتكم موضع الشجرة) كان جابر رضي الله عنه قد عمي في آخر عمره.
(وكانت أسلم ثمن المهاجرين) أي كانت قبيلة أسلم "ثمن" بضم الثاء وسكون الميم وضمها، قال الواقدي: كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية من أسلم مائة رجل، فعلى هذا كان المهاجرون ثمانمائة رجل.
(وأنا رافع غصنا من أغصانها عن رأسه) قلنا: إن الشجرة كانت كبيرة من شجر الشوك، فكان غصن من أغصانها قريبا من النبي صلى الله عليه وسلم رفعه معقل بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(فانطلقنا في قابل حاجين) أي في العام القابل "حاجين" جمع مذكر سالم، قال الحافظ ابن حجر: كذا أطلق، وهم كانوا معتمرين، لكن يطلق عليها الحج، كما يقال: العمرة الحج الأصغر.
(فخفي علينا مكانها) في رواية البخاري "فعميت علينا" أي أبهمت، وفي رواية "فعمي علينا مكانها"، أي اشتبهت الشجرة المعينة المباركة بأشجار أخر، ولم يكن لها علامة مميزة فأصبح من المستحيل تعيينها ومعرفتها من بين مثيلاتها، وفي رواية للبخاري "ورجعنا من العام المقبل، فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها، كانت رحمة من الله" أي كان خفاؤها عليهم بعد ذلك رحمة من الله تعالى، أو المعنى كانت الشجرة موضع رحمة الله ورضوانه، لنزول الرضا عن المؤمنين عندها.
(فإن كانت تبينت لكم فأنتم أعلم) في رواية للبخاري عن طارق بن عبد الرحمن قال: انطلقت حاجا فمررت بقوم يصلون، قلت: ما هذا المسجد؟ قالوا: هذه الشجرة، حيث بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان. قال: فأتيت سعيد بن المسيب، فأخبرته، فقال سعيد: حدثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، قال: فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها، فلم نقدر عليها، فقال سعيد: إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يعلموها؟ وعلمتموها أنتم؟ -جماعة التابعين أو أتباع التابعين- فأنتم أعلم؟ قال هذا الكلام منكرا، على سبيل التهكم.
(هذا ابن حنظلة يبايع الناس) عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر، الذي يعرف أبوه بغسيل الملائكة. والسبب في تلقيبه بذلك أنه قتل بأحد وهو جنب، فغسلته الملائكة، وعلقت امرأته تلك الليلة بابنه عبد الله بن حنظلة، فمات النبي صلى الله عليه وسلم وله سبع سنين، وقد حفظ عنه.

الصفحة 485