كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 7)

لأن النبي صلى الله عليه وسلم بايع عنه، فاستوى معهم عثمان في الخيرية المذكورة، ولم يقصد في الحديث تفضيل بعضهم على بعض.
كما استدل به على أن الخضر ليس حيا، لأنه لو كان حيا، مع ثبوت كونه نبيا للزم تفضيل غير النبي على النبي، وهو باطل، فدل على أنه ليس بحي حينئذ، وأجاب بعضهم باحتمال أن يكون حينئذ حاضرا معهم، ولم يقصد إلى تفضيل بعضهم على بعض، أو لم يكن على وجه الأرض، بل كان في البحر، قال الحافظ ابن حجر: والثاني جواب ساقط، وعكس ابن التين فاستدل بالحديث على أن الخضر ليس بنبي، فبنى الأمر على أنه حي، وأنه دخل في عموم من فضل النبي صلى الله عليه وسلم أهل الشجرة عليهم، وأغرب ابن التين، فجزم أن إلياس ليس بنبي، وبناه على قول من زعم أنه أيضا حي، وكونه حيا ضعيف، أما كونه ليس بنبي فباطل، ففي القرآن الكريم: {وإن إلياس لمن المرسلين} [الصافات: 123] فكيف يكون أحد من بني آدم مرسلا وليس بنبي؟ .
ويؤخذ من قول جابر رضي الله عنه، في ملحق الرواية الخامسة "لو كنت أبصر لأريتكم موضع الشجرة" أن بعض الصحابة كان يضبط مكانها على التعيين، بعلامات حفظها، كذا قال الحافظ ابن حجر، وقال: ثم وجدت عن ابن سعد بإسناد صحيح عن نافع أن عمر بلغه أن قوما يأتون الشجرة، فيصلون عندها، فتوعدهم، ثم أمر بقطعها، فقطعت. اهـ.
وكأن ابن حجر يميل إلى أن الشجرة كانت معلومة، وأن مكانها كان معلوما إلى عهد عمر، ونحن نستبعد ذلك، فما كان يفعله الناس، وما فعله عمر ليس دليلا على أنها هي هي، فالناس توهموها في شجرة ما، فأخذوا يتبركون بها، كما تهكم سعيد بن المسيب على من ادعى معرفتها، وقطع عمر لشجرة يتوهمها الناس من باب سد الذرائع، وقطع الشبهات، وما قاله جابر رضي الله عنه يحمل على أن العلامات كانت في مخيلته قبل أن يصاب بالعمى، وقبل أن تغير هذه المعالم بقطعها أو قطع ما حولها من أشجار، وتكسير ما يقاربها من أحجار، وقد كان الزمن بين رؤيته لها في الحديبية وبين إخباره بهذا الخبر يزيد على الستين عاما، فقد توفي سنة أربع وسبعين من الهجرة، وهي كفيلة بتغيير كل المعالم بفعل الحطابين والرعاة، وكثيرا ما يخيل للمرء أنه يستطيع فعل شيء، ثم لا يستطيعه أمام الواقع، وأمام المستجدات التي لم يكن يقدرها، ويكفينا أن سعيد بن المسيب حاول التعرف عليها أو على مكانها بعد عام واحد فلم يستطع التعرف عليها، ولم يثبت من طريق صحيح أن أحدا ممن بايع تحتها تعرف عليها، بل قال ابن عمر -فيما رواه البخاري "رجعنا من العام المقبل، فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها" أي بذلت المحاولات لمعرفتها بعد عام فلم يتعرف عليها، وتلك إرادة الله، قال الحافظ ابن حجر: وبيان الحكمة في ذلك أن لا يحصل بها افتتان، لما وقع تحتها من الخير، فلو بقيت لما أمن تعظيم بعض الجهال لها، حتى ربما أفضى بهم إلى اعتقاد أن لها قوة نفع أو ضر، كما نراه الآن مشاهدا فيما هو دونها، وإلى ذلك أشار ابن عمر، بقوله "كانت رحمة من الله" أي كان خفاؤها عليهم بعد ذلك رحمة من الله تعالى.
وفي الحديث معجزة ماء البئر للنبي صلى الله عليه وسلم.

الصفحة 487