كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 7)

رسلا بين الحين والحين، لتعيد للإنسانية شيئا من توازنها، بعد أن يتغلب عليها جهلها وشهواتها {رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} [النساء: 165]، ويحدثنا القرآن الكريم أنه كلما جاء أمة رسولها كذبوه وحاربوه، فكان انتقام الله من المكذبين بالصيحة أو الصاعقة أو الطوفان أو الحجارة أو الخسف أو المسخ، وكانت وظيفة الرسل في الأعم الأغلب الدعوة إلى الله بالموعظة الحسنة، فإذا يئس من قومه بعد نفاد صبره دعا ربه، فتولى سبحانه وتعالى الانتقام من المكذبين، وكانت دعوات الرسل محلية، ووقتية، فلما أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا للعالمين في كل زمان ومكان أراد لدعوته أن تنتشر وأن تستمر عن طريق جهاد من آمن ضد من لم يؤمن.
وكما هو الشأن مع الرسل السابقين قوبلت دعوة الإسلام بالتكذيب من أهلها وقومها الأولين، فكان نصيب محمد صلى الله عليه وسلم الإيذاء بشتى صنوف الإيذاء، وكان نصيب من آمن به التعذيب الذي يلجئه إلى ترك وطنه وأهله وماله وكل ما يملك فرارا بدينه إلى الحبشة مرتين ثم إلى المدينة، ولما وصلت المواجهة بين الرسالة وبين أعدائها إلى تبييت الأعداء لقتل الرسول صلى الله عليه وسلم فهاجر إلى المدينة، وفرضت هجرة من آمن إلى المدينة، حتى تم التجمع الإسلامي، والدولة الإسلامية في المجتمع الإسلامي، وأحس المهاجرون بقدرتهم على استرداد بعض أموالهم من مشركي مكة، أذن الله لهم بالقتال بقوله {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير* الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز} [الحج: 49، 40] فبدأت الحروب بين المسلمين والمشركين، وكان لا بد من تشجيع الجهاد والقتال، وكان حتما أن توضع قوانين الحروب وقواعدها، وأن تندفع جند الله نحو النصر بالإعداد المسلح والقوة النفسية، ونزل {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم} [الأنفال: 60]. {يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون* الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين} [الأنفال: 65، 66]. {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار} [الأنفال: 15]. {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق} [محمد: 4].
{قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين} [التوبة: 14].
وجاءت الأحاديث بفضل الجهاد في سبيل الله، وأن الله قد ضمن للمجاهد دخول الجنة، مكفرا ذنوبه وسيئاته، كما وعده إن رجع سالما رجع بأجر عظيم، أو بأجر عظيم وغنيمة من أموال الكفار، حلال للمجاهدين، ورغب صلى الله عليه وسلم في الجهاد، فقال: "لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها" وبشر من يجرح في سبيل الله بجزاء أخروي كبير، وأنه سيكون صاحب علامة يعرفها أهل الجنة، حيث يأتي يوم القيامة، وجرحه كهيئته يوم جرح شكلا وصورة، جرحه يتفجر دما، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، وقد وعد الله الشهداء بالجنة العالية، حيث قال {إن الله اشترى

الصفحة 518