كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 7)

من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم} [التوبة: 111] وأخبر جل شأنه عن الشهداء بقوله {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون* فرحين بما آتاهم الله من فضله} [آل عمران: 169 - 170] وقال صلى الله عليه وسلم "أرواحهم في جوف طير خضر، تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش" إن النعيم والجزاء الذي يراه الشهيد يعد خير ما يتمنى، حتى إذا سأله ربه: ماذا تتمنى أكثر مما عندك؟ يقول: لا أتمنى أكثر مما أكرمتني به، فإذا ما كرر عليه السؤال، ولم يجد بدا من أن يتمنى، قال: أتمنى أن أرجع إلى الدنيا لأقتل في سبيلك مرة ثانية وثالثة وعاشرة، حتى أحصل عن كل مرة مثل ما حصلت عليه.
وهكذا نرى الجهاد أفضل الأعمال الصالحة، وأكثرها ثوابا، وأعلاها درجة عند الله.
جمعنا الله بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.

-[المباحث العربية]-
(تضمن الله لمن خرج في سبيله) في الرواية الثانية "تكفل الله لمن جاهد في سبيله" وعند البخاري "انتدب الله لمن خرج في سبيله" أي سارع بثوابه وحسن جزائه، وقيل: معناه أجاب إليه، وقيل: معناه تكفل بالمطلوب، وعند البخاري أيضا "توكل الله" والمعنى في الكل واحد، أي أوجب على نفسه والتزم له بالجنة، بفضله وكرمه سبحانه وتعالى، وهذا الضمان والكفالة موافق لقوله تعالى {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة}
(لا يخرجه إلا جهادا في سبيلي) قال النووي: هكذا هو في جميع النسخ "جهادا" بالنصب، وكذا قال بعده "وإيمانا بي، وتصديقا" وهو منصوب على أنه مفعول له، وتقديره: لا يخرجه مخرج ولا يحركه محرك إلا الجهاد لي، أي لا يخرجه إلا محض الإيمان والإخلاص لله تعالى. اهـ.
وفي هذا التوجيه تعسف، أخف منه أن الخطأ من الناسخين، إذ جميع الروايات في الأصول الأخرى وفي البخاري بالرفع، وهو الموافق للقواعد النحوية، وفي الرواية الثانية "لا يخرجه من بيته إلا جهاد في سبيله، وتصديق بكلمته" وكذا في البخاري "لا يخرجه إلا إيمان بي، وتصديق برسلي" وفي رواية له "لا يخرجه إلا الجهاد في سبيله، وتصديق كلماته" فالاستثناء مفرغ، والكلام ناقص منفي، والمستثنى هنا فاعل "يخرج" مرفوع.
وفي الرواية الأولى التفات، وانتقال من الغيبة إلى التكلم، والمراد من "تصديق كلمته" في الرواية الثانية كلمة الشهادتين، فالتصديق برسالة محمد صلى الله عليه وسلم تصديق بما جاء به، ومنه الوعد بأجر المجاهد، وقيل: المراد به تصديق الأخبار التي جاءت بثواب المجاهد.

الصفحة 519