كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 7)

(فهو علي ضامن أن أدخله الجنة) قال النووي: ذكروا في "ضامن" هنا وجهين: أحدهما: أنه بمعنى مضمون كما في ماء دافق ومدفوق، والثاني أنه بمعنى ذو ضمان. اهـ.
(أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلا ما نال من أجر أو غنيمة) ونحو هذا في الرواية الثانية، وعند البخاري "وتوكل الله للمجاهد في سبيله بأن يتوفاه أن يدخله الجنة، أو يرجعه سالما مع أجر أو غنيمة" أي بأن يدخله الجنة إن توفاه، وفي رواية الطبراني "إن توفاه" بإن الشرطية، وهو أوضح، وقد استشكل على هذا أن ظاهره أنه إذا غنم لا يحصل له أجر، ولا يصح ذلك.
وفي توجيه: قولان:
الأول: أن العبارة فيها حذف يفرضه المقام، والأصل أو غنيمة معها أجر، والمعنى أن يرجعه إلى مسكنه سالما مع أجر فقط؛ إن لم يغنم شيئا، أو مع غنيمة وأجر؛ إن رجع بغنيمة، وإنما سكت عن الأجر مع الغنيمة، لنقصه بالنسبة إلى الأجر الذي بدون غنيمة، لأن القواعد تقتضي أن الأجر عند عدم الغنيمة أفضل وأتم منه عند الغنيمة.
فالحديث صريح في نفي الحرمان، وليس صريحا في نفي الجمع، ومع هذا القول الكرماني، إذ يقول: معنى الحديث أن المجاهد إما أن يستشهد، أو لا، والثاني لا ينفك من أجر أو غنيمة، مع إمكان اجتماعهما، فهي قضية مانعة الخلو، لا الجمع.
الثاني: أن "أو" بمعنى الواو، وبه جزم ابن عبد البر والقرطبي، والتقدير: بأجر وغنيمة، وهي بالواو في رواية للنسائي ولأبي داود، ويعترض على هذا الرأي بأنه يلزمه أن يكون الضمان وقع بمجموع الأمرين لكل من رجع، وليس الواقع كذلك، فإن كثيرا من الغازين يرجع بدون غنيمة.
وقد انتصر الحافظ ابن حجر للقول الأول، وأطنب في الترجيح، بما سنذكره في فقه الحديث.
(والذي نفس محمد بيده) صيغة من الحلف الذي استعمله صلى الله عليه وسلم كثيرا، قال القاضي: واليد هنا بمعنى القدرة والملك.
(ما من كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم، لونه لون دم، وريحه مسك) "ما من كلم" بفتح الكاف وسكون اللام، وهو الجرح، و"يكلم" بضم الياء وفتح اللام بينهما كاف ساكنة، مبني للمجهول، و"حين كلم" بضم الكاف وكسر اللام، مبني للمجهول أيضا، و"إلا جاء يوم القيامة كهيئته" في الصورة، كشهادة على فضل صاحبه، وإعلان لكرامته، وأنه بذل نفسه في طاعة الله تعالى، قال العلماء: والظاهر أن المراد بهذا الجرح هو ما يموت صاحبه بسببه، قبل اندماله، لا ما يندمل في الدنيا، فإن أثر الجراحة وسيلان الدم يزول، ولا يمنع أن يكون للجرح المندمل في سبيل الله أجر وفضل في الجملة، لكن الذي يجيء يوم القيامة يتفجر دما من فارق الدنيا وجرحه كذلك، ويؤيده ما جاء عند ابن حبان بلفظ "عليه طابع الشهداء" ومعنى "كهيئته" أي في كمية الدم وسيلانه، فلا ينقص منه شيء بطول العهد، وفي قوله "وريحه مسك" على التشبيه، وفي

الصفحة 520