كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 7)

الرواية الثالثة "إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثعب" بفتح الياء والعين وإسكان الثاء، ومعناه يجري متفجرا، أي كثيرا، وفي الرواية الرابعة "كل كلم يكلمه المسلم في سبيل الله" في سبيل الله خبر المبتدأ، أي كل جرح يجرحه المسلم له به أجر، كقوله "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب -حتى الشوكة يشاكها إلا كان له به أجر" فيشمل جروح القتال في معارك الكفار، وغيرها من جروح الدنيا، أو خبر المبتدأ محذوف، تقديره: مأجور، وعند الترمذي وصححه وابن حبان والحاكم "من جرح جرحا في سبيل الله، أو نكب نكبة، فإنها تجيء يوم القيامة، كأغزر ما كانت، لونها لون الزعفران، وريحها ريح المسك" قال الحافظ ابن حجر "فعرف بهذه الزيادة "أو نكب نكبة" أن مجيئها يوم القيامة على الهيئة المذكورة لا يختص بالشهيد، بل هي حاصلة لكل من جرح. اهـ.
"ثم تكون يوم القيامة كهيئتها" أي ثم تجيء هذه الجروح الدنيوية كهيئتها "إذا طعنت" أي كهيئتها وقت طعنها، قال النووي "إذا" بالألف بعد الذال -كذا في جميع النسخ. اهـ. أي واستعملت "إذا" التي هي ظرف للمستقبل، بدل "إذ" التي للماضي "تفجر دما" جملة حالية، و"تفجر" أصله تتفجر بتاءين، حذفت إحداهما تخفيفا. "اللون لون دم، والعرف عرف المسك" والعرف بفتح العين وسكون الراء بعدها فاء، الرائحة.
(لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدا) السرية قطعة صغيرة من الجيش، وقد بعث صلى الله عليه وسلم كثيرا من السرايا، تعرضنا لها في عدد السرايا والبعوث والغزوات، وفي الرواية الرابعة "لولا أن أشق على المؤمنين ما قعدت خلف سرية تغزو في سبيل الله".
(ولكن لا أجد سعة فأحملهم، ولا يجدون سعة، ويشق عليهم أن يتخلفوا عني) هذا تعليل وبيان لسبب أن يصيبه صلى الله عليه وسلم مشقة إذا خرج مع السرايا، وحاصل العذر أن المسلمين يحرصون على مصاحبته صلى الله عليه وسلم في حربه مع الكفار، لأمرين: الأول أنهم من داخل نفوسهم يحبونه حبا أعلى من حبهم لأنفسهم، ويفدونه بأرواحهم، فخوفهم عليه يجعلهم لا يتخلفون عنه، الأمر الثاني قوله تعالى {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين} [التوبة: 120].
مع هذا الحرص على الخروج معه صلى الله عليه وسلم كان الكثيرون منهم فقراء، لا يملكون ما ينفقون على أنفسهم في السفر، ولا يجدون دابة تحملهم إلى المسافات البعيدة، ولا يملك الرسول صلى الله عليه وسلم وأغنياء الصحابة ما يقوم بنفقاتهم ووسائل نقلهم، فيشق عليهم عدم الخروج معه صلى الله عليه وسلم، ويشق عليه صلى الله عليه وسلم مشقتهم، يقول جل شأنه {ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من

الصفحة 521