كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 7)

الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون} [التوبة: 91، 92] هذه هي الحالة المانعة من خروجه صلى الله عليه وسلم مع كل سرية أرسلها، وفي الرواية الرابعة "لولا أن أشق على المؤمنين، ما قعدت خلف سرية تغزو في سبيل الله" وفي ملحق الرواية الرابعة "لولا أن أشق على أمتي لأحببت ألا أتخلف خلف سرية .... ". وفي رواية البخاري "تغدو في سبيل الله" بالدال من الغدو، "ولكن لا أجد سعة فأحملهم، ولا يجدون سعة فيتبعوني، ولا تطيب أنفسهم أن يقعدوا بعدي". وفي رواية للبخاري "ولا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني" وفي الرواية الأولى "ويشق عليهم أن يتخلفوا عني" وفي رواية الطبراني "ولو خرجت ما بقي أحد فيه خير، إلا انطلق معي، وذلك يشق علي وعليهم" وفي رواية "ويشق علي أن يتخلفوا عني" فإن قيل: لقد خرج صلى الله عليه وسلم في الغزوات، وتخلف عنه هؤلاء الذين لا يجدون، ولم يمتنع من أجلهم؟ قلنا: إن ذلك من باب تقديم المصلحة الأهم، على المصلحة المهمة.
(والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل) وفي ملحق الرواية الرابعة "والذي نفسي بيده لوددت أني أقتل في سبيل الله، ثم أحيا" فقوله "لوددت" جواب القسم، وقوله في رواية البخاري "ولوددت أني أقتل" بحذف القسم، هو على قسم مقدر. وفائدة ذكر هذه الجملة بعد ما قبلها إرادة تسلية الخارجين في السرايا بدونه، فراعى خواطر الجميع، قال القاضي: واليد هنا بمعنى القدرة والملك.
(ما من نفس تموت، لها عند الله خير، يسرها أنها ترجع إلى الدنيا، ولا أن لها الدنيا وما فيها، إلا الشهيد) معنى "لها عند الله خير" أي ثقلت موازينها، وزاد خيرها على شرها، وكانت من أهل الجنة، وذلك احتراز عن قول الكافر {رب ارجعون* لعلي أعمل صالحا} [المؤمنون: 99 - 100] ومعنى "ولا أن لها الدنيا وما فيها" أي لا يسرها أن لها الدنيا وما فيها، وفي الرواية السابعة "ما من أحد يدخل الجنة، يحب أن يرجع إلى الدنيا، وأن له ما على الأرض من شيء غير الشهيد".
قال النووي: أما سبب تسمية الشهيد شهيدا فقال النضر بن شميل: لأنه حي، فإن أرواحهم شهدت وحضرت دار السلام، وأرواح غيرهم نشهدها يوم القيامة. اهـ. فهو شاهد مشاهد، فعيل بمعنى فاعل. وقال ابن الأنباري: إن الله تعالى وملائكته ونبيه عليه الصلاة والسلام يشهدون له بالجنة، ففعيل بمعنى مفعول، وقيل: لأنه عند خروج روحه يشهد ما أعده الله تعالى له، ففعيل بمعنى اسم الفاعل، وقيل: لأن ملائكة الرحمة يشهدونه، فيأخذون روحه، فهو مشهود، وقيل: لأنه يشهد له بالإيمان وخاتمة الخير، بظاهر حاله، فهو مشهود له، وقيل: لأن عليه شاهدا بكونه شهيدا، وهو الدم، وقيل: لأنه ممن يشهد على الأمم يوم القيامة بإبلاغ الرسل الرسالة إليهم، وعلى هذا القول الأخير يشارك الشهداء غيرهم في هذا الوصف. اهـ.
(ما يعدل الجهاد في سبيل الله؟ ) أي ماذا من الأعمال الفاضلة يساوي الجهاد في سبيل الله في الأجر والثواب؟

الصفحة 522