كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 7)

(لا تستطيعونه) أي هو موجود، لكنه غير مستطاع لكم، وفي بعض النسخ "لا تستطيعوه" بحذف النون، قال النووي: وهو صحيح أيضا على لغة فصيحة، تحذف النون من غير ناصب ولا جازم. اهـ.
وفي رواية البخاري "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: دلني على عمل يعدل الجهاد. قال: "لا أجده" أي لا أجده مستطاعا "قال: هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك، فتقوم ولا تفتر؟ وتصوم ولا تفطر؟ " قال: ومن يستطيع ذلك؟ .
(كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله، لا يفتر من صيام ولا صلاة، حتى يرجع المجاهد في سبيل الله) يقال: قنت بفتح النون، يقنت بضمها، قنوتا، أطاع الله، وخضع له، وأقر بالعبودية، وأطال الدعاء، زاد النسائي "الخاضع الراكع الساجد" وعند ابن حبان "كمثل الصائم القائم الدائم، الذي لا يفتر من صيام ولا صلاة حتى يرجع" وعند أحمد والبزار "كمثل الصائم نهاره، القائم ليله" وشبه حال المجاهد في سبيل الله بحال الصائم القائم في نيل الثواب في كل حركة وسكون، لأن المراد من الصائم القائم من لا يفتر ساعة عن العبادة، فأجره مستمر، وكذلك المجاهد، لا تضيع ساعة من ساعاته بغير ثواب.
(وهو يوم الجمعة) أي وهذا النقاش كان يوم الجمعة، وفي بعض النسخ "وذلك يوم الجمعة".
{أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن ءامن بالله واليوم الآخر} {وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله} وظاهر الآية تشبيه الفعل بالفاعل، السقاية والعمارة بمن آمن وجاهد، وذلك لا يحسن، فيقدر محذوف إما في جانب الصفة، أي أجعلتم أهل سقاية الحاج، وإما في جانب الذات، أي أجعلتم السقاية والعمارة كإيمان وجهاد من آمن وجاهد؟ والاستفهام للإنكار التوبيخي، أي لا ينبغي أن تجعلوهما كذلك، ثم صرح بعد الاستواء "لا يستوون عند الله" ولما كان الادعاء أن السقاية والعمارة أفضل، ونفيت المساواة نفيت الأفضلية المدعاة من باب أولى، ثم أثبت تعالى أفضلية الجهاد بقوله {الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون} [التوبة: 20].
(لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها) اللام في جواب قسم محذوف، والغدوة بفتح الغين المرة الواحدة من الغدو، وهو الخروج في أي وقت كان من أول النهار إلى انتصافه، والروحة بفتح الراء المرة الواحدة من الرواح، وهو الخروج في أي وقت كان من زوال الشمس إلى غروبها. والمراد من سبيل الله الجهاد، و"أو" هنا للتقسيم، لا للشك، قال ابن دقيق العيد في "خير من الدنيا وما فيها" يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون من باب تنزيل المغيب منزلة المحسوس، تحقيقا له في النفس، لكون الدنيا محسوسة في النفس، مستعظمة في الطباع، فلذلك وقعت المفاضلة بها، وإلا فمن المعلوم أن جميع ما في الدنيا لا يساوي ذرة مما في الجنة، والثاني: أن المراد أن هذا القدر من الثواب خير من الثواب الذي يحصل لمن لو حصلت له الدنيا كلها لأنفقها في

الصفحة 523