كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 7)

-أي فنائها- وقال جمهور الأطباء: هو البخار اللطيف الساري في البدن، وقال كثيرون من شيوخنا: هو الحياة، وقال آخرون: هي أجسام لطيفة مشابكة للجسم، يحيى لحياته، أجرى الله تعالى العادة بموت الجسم عند فراقه، وقيل: هو بعض الجسم، ولهذا وصف بالخروج والقبض وبلوغ الحلقوم، وهذه صفات الأجسام لا المعاني، وقال بعض متقدمي أئمتنا: هو جسم لطيف متصور على صورة الإنسان داخل الجسم، وقال بعض مشايخنا وغيرهم: إنه النفس الداخل والخارج، وقال آخرون: هو الدم.
قال النووي: هذا ما نقله القاضي، والأصح عند أصحابنا أن الروح أجسام لطيفة متخللة في البدن، فإذا فارقته مات، قال القاضي: واختلفوا في النفس والروح، فقيل: هما بمعنى، وهما لفظان لمسمى واحد، وقيل: إن النفس هي النفس الداخل والخارج، وقيل: هي الدم، وقيل: هي الحياة.
قال القاضي: وقال هنا "أرواح الشهداء" وقال في حديث مالك "إنما نسمة المؤمن" والنسمة تطلق على ذات الإنسان، جسما وروحا، وتطلق على الروح مفردة، وهو المراد بها في هذا التفسير في الحديث الآخر بالروح، ولعلمنا بأن الجسم يفنى، ويأكله التراب، ولقوله في الحديث "حتى يرجعه الله تعالى إلى جسده يوم القيامة".
قال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث "في جوف طير خضر" وفي غير مسلم "بطير خضري" وفي حديث آخر "بحواصل طير" وفي الموطأ "إنما نسمة المؤمن طير" وفي حديث آخر "في صورة طير أبيض" ثم قال: ولا فرق بين الأمرين، بل رواية طير أو جوف طير أصح معنى، وليس للأقبسة والعقول في هذا حكم، وكله من المجوزات، فإذا أراد الله أن يجعل هذه الروح إذا خرجت من المؤمن أو الشهيد في قناديل، أو في أجواف طير، أو حيث يشاء كان ذلك، ووقع، ولم يبعد، لا سيما مع القول بأن الأرواح أجسام. قال القاضي: وقيل: إن هذا المنعم أو المعذب من الأرواح جزء من الجسد، تبقى فيه الروح، وهو الذي يتألم ويعذب، ويلتذ وينعم، وهو الذي يقول "رب ارجعون" وهو الذي يسرح في شجر الجنة، فغير مستحيل أن يصور هذا الجزء طائرا، أو يجعل في جوف طائر، وفي قناديل تحت العرش، وغير ذلك مما يريد الله عز وجل.
(لها قناديل معلقة بالعرش) اللام في "لها" لام الاختصاص، أو الملكية. والقناديل جمع قنديل بكسر القاف، وهو مصباح كالكوب، في وسطه فتيل، يملأ بالماء والزيت ويشعل.
(ثم تأوي إلى تلك القناديل) كأنها المنازل التي تقيم فيها.
(فاطلع إليهم ربهم اطلاعة) أي نظرة رحمة وعطف.
(ففعل ذلك بهم ثلاث مرات) أي فقال لهم ذلك القول "هل تشتهون شيئا" ثلاث مرات، كل مرة يقول، ويجيبون بالجواب نفسه.
(فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا) "يتركوا" مبني للمجهول، أي لن يتركهم الله من غير أن يطلبوا طلبا، طلبوا طلبا.

الصفحة 525