كتاب فتح المنعم شرح صحيح مسلم (اسم الجزء: 7)

المعنى، أو التقارب فيه، وبما أن هذا الحديث في جميع رواياته مصدره المتلقي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو عمر رضي الله عنه فإن تعدد القضية وتعدد صدوره عن الرسول صلى الله عليه وسلم بعيد أو غير وارد، مما يدل على أن اختلاف ألفاظه من الرواة، ومن الرواية بالمعنى.
(فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله) لم تذكر هذه الجملة في رواية البخاري في كتاب بدء الوحي، وذكرها في أماكن أخرى، جريا على منهجه في الاقتصار على جزء الحديث في بعض الأماكن.
والهجرة في اللغة الترك، والهجرة إلى الشيء الانتقال إليه عن غيره، وفي الشرع ترك ما نهى الله عنه، وقد وقعت في الإسلام على وجهين: الأول الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن، كما في هجرتي الحبشة، وكما في الهجرة إلى المدينة قبل هجرته صلى الله عليه وسلم، الثاني الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان، وذلك بعد أن استقر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فهاجر إليه من تمكن من المسلمين، وكانت الهجرة إذ ذاك تختص بالانتقال إلى المدينة، إلى أن فتحت مكة، فانقطع الاختصاص، وبقي عموم الانتقال من دار الكفر لمن قدر عليه.
وظاهر هذه الجملة اتحاد الشرط والجزاء "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله" والأصل تغايرهما، لكن هذا التغاير قد يكون في اللفظ والمعنى، وقد يكون في المعنى دون اللفظ، كما هو هنا، اعتمادا على المعهود المستقر في النفس، والمعنى من كانت هجرته إلى الله ورسوله أثابه الله على هذا القصد الأخروي.
(ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها) في بعض روايات البخاري "إلى دنيا يصيبها" والدنيا بضم الدال، وحكي كسرها، من الدنو، وهي القرب، سميت بذلك لسبقها للآخرة، وقيل: سميت دنيا لدنوها إلى الزوال، والمراد بها ما على الأرض من هواء وجو ومخلوقات، مما قبل قيام الساعة، ومعنى "يصيبها" يحصلها، لأن تحصيلها كإصابة الصيد بالسهم.
(أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) هذا من ذكر الخاص بعد العام، فإنها من أمور الدنيا، فتخصيصها بالذكر لمزيد الاهتمام بهذا النوع، للتحذير منه، لأن الافتتان به أشد، وقيل: خصت بالذكر للإشارة إلى سبب ذكر هذا الحديث، مما يعرف بقصة مهاجر أم قيس، قال ابن دقيق العيد: نقلوا أن رجلا هاجر من مكة إلى المدينة، لا يريد بذلك فضيلة الهجرة، وإنما هاجر ليتزوج امرأة تسمى أم قيس، ورواها الطبراني بلفظ "كان فينا رجل خطب امرأة، يقال لها: أم قيس، فأبت أن تتزوجه حتى يهاجر، فهاجر، فتزوجها، فكنا نسميه: مهاجر أم قيس".
قال الحافظ ابن حجر: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، لكن ليس فيه أن حديث "إنما الأعمال بالنيات" سيق بسبب ذلك. اهـ.

-[فقه الحديث]-
يقول النووي: أجمع المسلمون على عظم موقع هذا الحديث، وكثرة فوائده، وصحته، قال الشافعي وآخرون: هو ثلث الإسلام، وقال الشافعي: يدخل في سبعين بابا من الفقه، وقال آخرون: هو ربع

الصفحة 567